يقول الحق جل جلاله :﴿وعاداً وثمودَا﴾ أي : اذكر عاداً وثموداً، أو أهلكنا عاداً، وثموداً يدل عليه ﴿فأخذتهم الرجفة﴾ ؛ لأنه في معنى الإهلاك، ﴿وقد تبيَّنَ لكم﴾ ما وصفنا من إهلاكهم ﴿من مساكنهم﴾ الدارسة. أو تبين لكم بعض مساكنهم الخربة إذا مررتم بها خالية. ﴿وزيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالهم﴾ من الكفر والمعاصي، ﴿فصدَّهم عن السبيل﴾ ؛ عن الطريق الذي أُمروا بسلوكه، وهو الإيمان بالله ورسوله. ﴿وكانوا مستبصرين﴾ ؛ متمكنين من النظر والاستبصار وتميز الحق من الباطل، ولكنهم لم يفعلوا. أو عارفين الحق من الباطل ؛ بظهور دلائله، لكنهم عاندوا، حسداً. يقال : استبصر : إذا عرف الشيء على حقيقته. أو : متيقنين أن العذاب لاحق بهم ؛ بإخبار الرسول، لكنهم لجّوا. أو : مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها.
وقال الفراء : عقلاء ذوو بصائر، يعني : علماء في أمور الدنيا، كقوله :﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم : ٧] الآية. وقال مجاهد : حسبوا أنهم على الحق، وهم على الباطل. هـ.
﴿وقارونَ وفرعونَ وهامان﴾ : أي : أهلكناهم، ﴿ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين﴾ ؛ فائتين، بل أدركهم أمر الله فلم يفوتوه. يقال : سبق طالبه : فاته، ﴿فكُلاًّ أخذنا﴾ ؛ عاقبناه ﴿بذنبه﴾، فيه رد على من يُجوز العقوبة بغير ذنب. قاله النسفي، وهو جائز عقلاً في حقه تعالى، لكنه لم يقع ؛ لإظهار عدله. ﴿فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً﴾ أي : ريحاً عاصفة فيها حصباء أو : مَلِكاً رماهم بها.
قال ابن جزي : فيحتمل عندي أنه أراد به المعنيين ؛ لأن قوم لوط هلكوا بالحجارة، وعاداً هلكوا بالريح. وإن حملناه على المعنى الواحد ؛ نقض ذكر لآخر، وقد أجاز كثير من الناس استعمال اللفظ الواحد ؛ في معنيين، ويقوي ذلك إن المقصود عموم أصناف الكفار. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٠


الصفحة التالية
Icon