ومنهم من أخذتهم الصيحةُ} ؛ كمدين وثمود، ﴿ومنهم من خسفنا به الأرضَ﴾ كقارون، ﴿ومنهم من أغرقنا﴾ ؛ كقوم نوح، وفرعون وقومه، ﴿وما كان الله ليظلمهم﴾ فيعاقبهم بغير ذنب ؛ إذ ليس ذلك من عادته - عز وجل -، وإن جاز في حقه، ﴿ولكن كانوا أنفسَهم يَظْلِمُون﴾ ؛ بالتعرض للعذاب بالكفر والطغيان. وبالله التوفيق.
الإشارة : الاستبصار في أمور الدنيا والتحديق في تدبير شؤونها، حمق وبطالة،
٣١١
وقد وسم به الحق تعالى الكفرة بقوله :﴿وكانوا مستبصرين﴾، والاستبصار في أمور الله تعالى وما يقرب إليه وما يبعد عنه، والفحص عن ذلك، والتفكر في عواقب الأمور ؛ من شأن العقلاء الأكياس، قال ﷺ :" ألا وإن من علامات العقل : التجافي عن دار الغرور ؛ والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور "، وقال أيضاً ﷺ :" الكِّيسُ من دانَ نَفْسَه وعَمِلَ لِما بعدَ الموت، والأحمق من أتْبَعَ نفسه هواها، وتمنَّى على اللهِ الأماني "، وقيل للجنيد رضي الله عنه : متى يكون الرجل موصوفاً بالعقل ؟ فقال : إذا كان للأمور متميزاً، ولها متصفحاً، وعما يوجبه عليه العقل باحثاً، فيتخيرُ بذلك طلب الذي هو أولى، ليعمل به، ويُؤْثِرَهُ على ما سواه. ثم قال : فمن كانت هذه صفته ترك العمل بما يفنى وينقضي، وذلك صفة كل ما حوت عليه الدنيا، وكذلك لا يرضى أن يشغل نفسه بقليل زائل، ويسير حائل، يصده التشاغُلُ به، والعملُ له، عن أمور الآخرة، التي يدوم نعيمها ونفعها، ويتأبد سرورها، ويتصل بقاؤها.. إلخ كلامه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٠