يقول الحق جل جلاله :﴿اتْلُ ما أُوحي إليك من الكتابِ﴾ ؛ تَنَعُّماً بشهود أسرار معانيه، وبشهود المتكلم به، فتغيب عن كل ما سواه، واستكشافاً لحقائقه، فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه. وقد كان من السلف من يبقى في السورة يكررها أياماً، وفي الآية يرددها ليلة وأكثر، كلما رددها ظهر له معان أُخر.
﴿وأَقِم الصلاةَ﴾ أي : دم على إقامتها، بإتقانها ؛ فعلاً وحضوراً وخشوعاً، ﴿إن الصلاةَ تنهى عن الفحشاء﴾ ؛ الفعلة القبيحة ؛ كالزنى، والشرب، ونحوهما، ﴿والمنكرِ﴾، وهو ما يُنكره الشرع والعقل. ولا شك أن الصلاة، إذا صحبها الخشوع والهيبة في الباطن، والإتقان في الظاهر، نهت صاحبها عن المنكر، لا محالة، وإلا فلا.
رُوي أن فتًى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله الصلوات، ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه، فَوُصِفَ حَالُهُ له ﷺ فقال :" إن صلاته تنهاه "، فلم يلبث أن تاب. هـ.
٣١٤
وأما من كان يصليها فلم تنهه ؛ فهو دليل عدم قبولها، ففي الحديث :" من لمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عن الفحشاء والمنكر لم يَزْدَدْ من الله إلا بُعْداً " رواه الطبراني. وقال الحسن : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست بصلاة، وهي بال عليه. وقال ابن عوف : إن الصلاة تنهى ؛ إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر. هـ. فخص النهي بكونه ما دام فيها، وعليه حَمَلَهُ المَحلِّي.


الصفحة التالية
Icon