﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾، فأفرطوا في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النصح، ولم ينفع فيهم الرفق، فاستعمِلوا معهم الغلظة. وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله ﷺ، أو : إلا الذين أثبتوا الولد والشريك، وقالوا : يد الله مغلولة. أو معناه : ولا تُجادلوا الذين دخلوا في الذمة، المؤدين للجزية، إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا : فنبذوا الذمة، ومنعوا الجزية، فمجادلتهم بالسيف. والآية تدل على جواز مناظرة الكفرة في الدين، وعلى جواز تعلم علم الكلام، الذي به تتحقق المجادلة. قاله النسفي. ﴿وقولو آمنا بالذي أُنزل إلينا
٣١٧
وأُنزل إليكم وإلهُنا وإلهكم واحد﴾
؛ هذا من حسن المجادلة. قال ﷺ :" إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقالوا : آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلاً ؛ لم تصدقوهم، وإن كان حقاً ؛ لم تكذبوهم " ﴿ونحن له مسلمون﴾ ؛ مطيعون له خاصة، وفيه تعريض باتخاذهم أحبارَهُم ورهبانَهم أرباباً من دون الله.
الإشارة : المناظرة بين العلماء، والمذاكرة بين الفقراء، ينبغي أن تكون برفق ولين على قلب سليم، بقصد إظهار الحق وتبيين الصواب، أو تنبيه عن الغفلة، أو ترقية في المنزلة، من غير ملاححة، أو مخاصمة، ولا قصد مغالبة ؛ لأن العلم النافع، وذكر الله الحقيقي، يُهذب الطبع، ويحسن الأخلاق.
قال في الحاشية : ثم تذكّر حسن رده ﷺ للقائلين له : السام عليكم، ورفقَه، وقوله لعائشة :" متى عَهدْتِنِي فاحشاً " ؟ يتبين لك مناسبة الوصية بحسن المجادلة في الآية مع ما قبلها، وأن ذلك حال المقيمين للصلاة، الذاكرين الله حقيقة، وأنهم على خُلق جميل وحلم وسمت، لا يستفزهم شيء من العوارض ؛ لِمَا رسخ في قلوبهم من نور القُرب الذي محى الطبع وفُحْشه. والله تعالى أعلم. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٧


الصفحة التالية
Icon