يقول الحق جل جلاله :﴿وما هذه الحياةُ الدنيا إلا لهوٌ ولعب﴾ أي : وما هي ؛ لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها، إلا كما يلعب الصبيان ساعة، ثم يفترقون متعبَين بلا فائدة. وفيه ازدراء بالدنيا وتحقير لشأنها، وكيف لا يحقرها وهي لا تزن عنده جناح بعوضة ؟ واللهو : ما يتلذذ به الإنسان، فيلهيه ساعة، ثم ينقضي. ﴿وإنَّ الدار الآخرة لهي الحيوان﴾، أي : الحياة الحقيقية ؛ لأنها دائمة. والحيوان : مصر، وقياسه : حيَيَان، فَقَلَبَ الياءَ الثانية واواً. ولم يقل : لهي الحياة ؛ لِمَا في بناء فَعَلاَن من معنى الحركة والاضطراب. وفي المصباح : الحيوان : مبالغة في الحياة، كما قيل : للموت الكثير مَوَتَان. هـ. ﴿لو كانوا يعلمون﴾ حقيقة الدارين ؛ لَمَا اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي.
﴿فإذا رَكِبُوا في الفلك﴾، هو مرتب على محذوف، دل عليه ما وصفهم به قَبْلُ، والتقدير : هم على ما هم عليه من الشرك والعناد، وإذا ركبوا في الفلك ﴿دَعَوا الله مخلصين له الدين﴾، أي : كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين، حيث لا يذكرون إلا الله، ولا يدعون معه إلهاً آخر، ﴿فلما نجاهم إلى البر﴾، وأمنوا من الغرق، ﴿إذا هم يُشركون﴾، أي : عادوا إلى حال الشرك، ﴿ليكفروا بما آتيناهم﴾ من النعمة، ﴿وَلِيَتَمَّتعوا﴾ باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها. واللام فيهما : إما لاَمُ كي،
٣٢٥
أي : يعودون إلى شركهم ؛ ليكونوا به كافرين بنعمة النجاة، قاصدين التمتع بها والتلذذ، لا غير، على خلاف عادة المؤمنين المخلصين، فإنهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم، ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى توحيده وطاعته، لا إلى التلذذ والتمتع. أو : لام الأمر، علة وجه التهديد، كقوله :﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف : ٢٩]، ويقويه : قراءةُ مَنْ سَكَّنَ الثانية، أي : ليكفروا وليتمتعوا ﴿فسوف يعلمون﴾ تدبيرهم عند تدميرهم.


الصفحة التالية
Icon