﴿يفرح المؤمنون بنصر الله﴾، وتغلب من له كتاب على مَن لا كتاب له، وغيظ من شمت بهم من أهل مكة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٩
وقيل : نصر الله : هو إظهار صدق المؤمنين، بما أخبروا به المشركين من غلبة الروم. ﴿ينصُر من يشاء﴾ فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى، ﴿وهو العزيزُ﴾ : الغالب على أعدائه ﴿الرحيمُ﴾ : العاطف على أوليائه.
﴿وَعْدَ اللهِ﴾ اي : وعد ذلك وعداً، فسينجزه لا محالة، فهو مصدر مؤكّد لِمَا قبله ؛ لأن قوله :﴿سيغلبون﴾ وعد، ﴿لا يُخْلِفَ الله وعْدَه﴾ ؛ لامتناع الكذب عليه تعالى، فلا بد من نصر الروم على فارس. ﴿ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون﴾ صحة وعده، وأنه لا يُخلف، أو : لا يعلمون أن الأمور كلها بيد الله ؛ لجهلهم وعدم تفكرهم. وإنما ﴿يعلمون ظاهراً
٣٣٠
من الحياة الدنيا﴾ ؛ ما يشاهدونه منها من التمتع بزخارفها. وفيه دليل أن للدنيا ظاهراً وباطناً، فظاهرها : ما يعرفه الجهّال من التمتع بزخارفها. قال بعض الحكماء : إن كنت من أهل الاستبصار فألق ناظرك عن زخارف هذه الدار، فإنها مجمع الأكدار، ومنبع المضار، وسجن الإبرار، ومجلس الأشرار، الدنيا كالحية، تجمع سموم نوائبها، وتفرغه في صميم قلوب أبنائها. هـ. وباطنها : أنها مجازٌ إلى الآخرة، يتزودون منها إليها بالأعمال الصالحة وتحقيق المعرفة. وتنكير (ظاهِراً) : مُفيدٌ أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من جملة ظواهرها. ﴿وهم عن الآخرة هم غافلون﴾ ؛ لا تخطر ببالهم، ولا يتفكرون في أهوالها ونوائبها. فهم، الثانية : مبتدأ، و(غافلون) : خبره، والجملة : خبرالأولى، وفيه تنبيه أنهم معدن الغفلة ومقرّها. والله تعالى أعلم.