ومن آياته يُريكُمُ البرقَ خوفاً وطمعاً}، أي : خوفاً من الصواعق، وطمعاً في الغيث، أو : خوفاً للمسافر وطمعاً للحاضر، ﴿ويُنزّل من السماء ماءً﴾ ؛ مطراً ﴿فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾ : يتفكرون بعقولهم.
﴿ومن آياته أن تقومَ السماءُ﴾ بغير عمد ﴿والأرضُ﴾ على ماء جماد ﴿بأمره﴾ أي : بإقامته، أو تدبيره وقدرته. ﴿ثم إذا دعاكم﴾ للبعث ﴿دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون﴾ من قبوركم. وسبك الآية : ومن آياته قيام السماوات والأرض، واستمساكها بغير عمد، ثم إذا دعاكم دعوة واحدة، يا أهل القبور، خرجتم بسرعة. وإنما عطف هذا بثم ؛ بياناً لعِظَم ما يكون من ذلك الأمر، وإظهار اقتداره على مثله، وهو أن يقول : يا أهل القبور، قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر، كقوله :﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىا فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر : ٦٨].
تنبيه : عبّر عن مودة الزوجين بيتكفرون ؛ لأن المودة قلبية، لا تُدْرَكُ إلا بتفكر القلب، وعبّر عن خلق السموات والأرض واختلاف الألسن والألوان بالعالِمين ؛ لأن أمر ذلك يدركه كل أحد، ممن له عقل أو علم، وعبّر عن النوم واليقظة بيسمعون ؛ لأن من كان في الغفلة لا يسمع أمثال هذه المواعظ، وإنما يسمعها مَنْ كان متيقظاً، وعبّر عن إظهار البرق، وإنزال المطر، وإحياء الأرض، بيعقلون ؛ لأن أمر البرق وما معه يبصره كل من له مسكةٌ عن عقل سليم، ويعلم أنه من الله بلا واسطة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ما نُصِبَتْ هذه الكائنات لتراها، بل لترى فيها مولاها، فما هذه الأكوان الحسية إلا تجليات من تجليات الحق، ومظاهر من مظاهره، وأنوار من أنوار ملكوته، متدفقة من بحر جبروته. كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. لكن لا يعرف هذا إلا العارفون بالله، وأما غيرهم فحسبهم أن يستدلوا على عظمة خالقها، وباهر قدرته وحكمته، فيقوي إيمانهم ويشتد إيقانهم.


الصفحة التالية
Icon