وقال في قوله تعالى :﴿من الذين فَرَّقوا دينهم﴾ : أقاموا في دنياهم في دار الغفلة، وعناد الجهل والفترة، فركنوا إلى ظنونهم، واستوطنوا مركب أوهامهم، وثَمِلُوا بِسُكْرِ غَيِّهِمْ، وظنوا أنهم على شيء، فإذا انكشف ضبابُ وقتهم، وانقشع سحابُ هجرهم، انقلب فرحُهم تَرَحاً، واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة، ولم يعرجوا إلا في أوطان الجهالة. هـ.
٣٤٥
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٣
قلت :(إِذَا هُمْ) : جواب (إن). و(إذا) ؛ الفجائية، تَخْلُفُ الفاء، لتآخيهما في التعقيب.
يقول الحق جل جلاله :﴿وإِِذا مَسَّ الناسَ ضُرُّ﴾ ؛ كمرض، وفقر، وشدة، أو غير ذلك، ﴿دَعَوا ربهم منيبين﴾ ؛ راجعين ﴿إليه﴾ من دعاء غيره. ﴿ثم إذا أذاقهم منه رحمةً﴾ ؛ خلاصاً من الشدة ﴿إذا فريق منهم بربهم يُشركون﴾ شركاً جلياً أو خفياً، أي فاجأ بعضهم الإشراك بربهم الذي عافاهم، ﴿ليكفروا﴾ ؛ إما : لام كي، أو : لام الأمر ؛ للوعيد والتهديد، أي : أشركوا كي يكفروا ﴿بما آتيناهم﴾ من النعم، التي من جملتها : نجاتهم وخلاصهم من كل شدة، ﴿فتمتعوا﴾ بكفركم قليلاً ؛ أمر تهديد، ﴿فسوف تعلمون﴾ وبال تمتعكم.
﴿أم أنزلنا عليهم سلطاناً﴾ ؛ حجّة على عبادة أصنامهم، ﴿فهو يتكلمُ﴾، وتكلمه مجاز، كما تقول : كتابه ناطق بكذا، وهذا مما نطق به القرآن، ومعناه : الشهادة، كأنه قال : يشهد بصحة ما ﴿كانوا به يشركون﴾، فما : مصدرية، أي : بصحة كونهم بالله يشركون، أو : موصولة، أي : بالأمر الذي بسببه يشركون.
﴿وإِذا أذقنا الناسَ رحمةً﴾ أي : نعمة ؛ من مطر، أو : سعة رزق، أو : صحة، ﴿فَرِحُوا بها﴾ فرح بَطَرَ وافتخار وغفلة. ﴿وإن تُصبهم سيئة﴾ ؛ بلاء ؛ من جدب، أو ضيق، أو مرض، ﴿بما﴾ ؛ بسبب ما ﴿قدمتْ أيديهم﴾ من المعاصي، أي : بشؤمها، ﴿إِذا هم يَقْنَطُون﴾ ؛ ييأسون من رحمة الله، وفرجِهِ بعد عسره. يقال : قَنِطَ يَقْنَطُ، كفرح يفرح، وكعلم.


الصفحة التالية
Icon