يقول الحق جل جلاله :﴿اللهُ الذي يُرسل الرياحَ﴾ الأربع. وقرأ المكي : بالإفراد. ﴿فتُثير﴾ أي : تزعج ﴿سحاباً فيبسُطُه في السماء﴾ أي : يجعله منبسطاً، متصلاً بعضه ببعض في سَمت السماء، كقوله :﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ﴾ [إبراهيم : ٢٤]، أي : جهته. فيبسطها في الجو ﴿كيف يشاء﴾ ؛ سائراً أو واقفاً، مطبقاً وغير مطبق. من ناحية الشمال أو الجنوب، أو الدََّبُورِ، أو الصَّبَا، ﴿ويجعله كِسَفا﴾ أي : قطعاً متفرقة. والحاصل : أنه تارة يبسطه متصلاً مطبقاً، وتارة يجعله قطعاً متفرقة، على مشيئته وحكمته. ﴿فترى الوَدْقَ﴾ ؛ المطر ﴿يَخْرجُ من خِلاله﴾ ؛ وسطه.
﴿فإِذا أصاب به﴾ ؛ بالودق ﴿من يشاء من عباده﴾، يريد إِصابةَ بلادهم وأراضيهم، ﴿إذا هم يستبشرون﴾ ؛ يفرحون بالخصب، ﴿وإن كانوا من قبل أن يُنَزَّل عليهم﴾ المطر ﴿من قبله لمُبلسينَ﴾ ؛ آيسين، وكرر " من قبله " ؛ للتوكيد، وفائدته : الإعلام بسرعة تقلب قلوب الناس من القنوط إلى الاستبشار، أو : على أن عهدهم بالمطر قد تطاول ؛ فاستحكم يأسُهُم، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك.
﴿فانظرْ إلى آثار رحمةِ الله﴾ أي : المطر ﴿كيف يُحيي الأرضَ﴾ بالنبات وأنواع الثمار ﴿بعد موتها﴾ ؛ يبسها ﴿إن ذلك﴾ أي : القادر عليه ﴿لمحيي الموتى﴾ ؛ فكما أحيا الأرض بعد يبسها، يحيي الأجساد بعد رميمها، ﴿وهو على كل شيءٍ قدير﴾، وهذا من
٣٥٤
جمل مقدوراته تعالى.


الصفحة التالية
Icon