يقول الحق جل جلاله :﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحت لهم جناتُ النعيم﴾، قيل : معكوس، أي : لهم نعيم الجنات، أو : لهم بساتين، أو : ديار النعيم. ﴿خالدين فيها﴾ : حال من ضمير " لهم ". والعامل : الاستقرار. ﴿وَعْدَ الله حقاً﴾ أي : وعدهم ذلك وعداً، وثبت لهم حقاً مُهماً، مصدران مؤكدان، الأول لنفسه، والثاني لغيره، إذ قوله :﴿لهم جنات النعيم﴾ ؛ في معنى : وعدهم الله جنات النعيم :﴿وحقا﴾ : يدل على معنى الثبات المفهوم من انجاز الوعد. ﴿وهو العزيزُ﴾ الغالب، الذي لا يُعارَض في حكمه، فينفذ وعده لا محالة. ﴿الحكيمُ﴾ الذي لا يفعل إلا ما استدعته حكمته.
الإشارة : إن الذين آمنوا في البواطن، وحققوا ذلك بالعمل الصالح في الظواهر، لهم جنات المعارف معجلة، وجنات الزخارف مؤجلة، وعداً حقاً وقولاً صدقاً، فما كَمُنَ في السرائر ظهر في شهادة الظواهر، وإلا كان دعوى ونفاقاً، والعياذُ بالله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٤
قلت :" بغير عمد " : يتعلق بحال محذوفه، أي : مُمْسَكَةً أو مرفوعة بغير عمد، و(عمد) : اسمع جمع على المشهور، وقيل : جمع عماد أو عامد. وجملة (ترونها) : إما استئنافية، لا محل لها، أو صفة لعمد.
يقول الحق جل جلاله :﴿خلق السماواتِ﴾ ورفعها ﴿بغير عَمَدٍ ترونها﴾، الضمير : إما للسموات، أي : خلقها، ظاهرة، ترونها، أو لعمد، أي : بغير عمد مرئية بل بعمد خفية، وهي إمساكها بقدرته تعالى. ﴿وألقى في الأرض رواسي﴾ أي : جبالاً ثوابت، كراهة ﴿أن تميد بكم﴾ أي : لئلا تضطرب بكم، ﴿وبثَّ﴾ : نشر ﴿فيها من كل دابةٍ وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوجٍ كريمٍ﴾ ؛ صنف من أصناف النبات، ﴿كريم﴾ : حسن بهيج، أو كثير المنفعة. وكأنه استدل بذلك على عزته، التي هي كمال القدرة، وحكمته التي هي كمال العلم، فهي مقررة لقوله :(العزيز الحكيم).