وقال بعضهم : رفع الصوت محمود في مواطن ؛ منها : الأذان والتلبية. وقال في الحاشية الفاسية : بل ينبغي الاقتصاد في ذلك، كما قال عمر بن عبد العزيز : أَذِّن أذاناً سنِّياً، وإلا اعتزلنا. هـ. وقال عليه الصلاة والسلام :" ارْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لاَ تَدْعُون أصمَّ ولا غَائباً " وإنما وحّد صوت الحمير ولم يجمع ؛ لأنه لم يرد أن يذكر صوت كل واحد من هذا الجنس حتى يجمع، بل المراد أن كل جنس من الحيوان له صوت، وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس، فوجب توحيده.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧١
الإشارة : قد اشتملت وصية لقمان على خصال صوفية، تدل على كمال صاحبها، منها : استحضار مراقبة الحق ومشاهدته، في السر والعلانية، في الجلاء والخفاء. وهو قوله :﴿يا بُني إنها تلك مثقالَ حبة...﴾ إلخ. ومنها : القيام بوظائف العبودية، بدنية ولسانية، وهو قوله :﴿يا بُني أقم الصلاة...﴾ إلخ، ويقاس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سائر عبادات اللسان، ومنها الصبر على النوائب، سواء كانت من جهة الخلق، أو من قهرية الحق، وهو ركن في الطريق. وتقدم تفصيله في آخر النحل. ومنها : التواضع والليونة، وهما مصيدة الشرف، ومن شأن أهل السياسة. ومن تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره. وهو قوله :﴿ولا تُصعر خدَّك للناس ولا تمش في الأرض مرحا﴾. ومنها : السكينة والوقار والرزانة، وهي نتيجة عمارة القلب بالهيبة والإجلال.
٣٧٣
وهو قوله :﴿واقصد في مشيك﴾. ومنها : خفض الصوت في سائر الكلام، وهو من علامة وجدان هيبة الحضرة، والقرب من الحق، قال تعالى :﴿وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً﴾ [طه : ١٠٨]، وهو من آكد الآداب مع الأشياخ والفقراء.


الصفحة التالية
Icon