ثم قال تعالى :﴿إِنَّ وعدَ الله﴾ بالبعث والحساب والجزاء، ﴿حقٌّ﴾ لا يمكن خلفه، ﴿فلا تغرنكم الحياةُ الدنيا﴾ ؛ بزخارفها الغرارة ؛ فإِنَّ نعمها دانية، ولذاتها فانية، فلا تشغلكم عن التأهب للقاء، بالزهد فيها، والتفرغ لِمَا يرضي الله، من توحيده وطاعته، ﴿ولا يغُرُّنَّكم بالله﴾، أي : لا يعرضنكم لخطر الغرة بالله وبحلمه، أو : لا يوقعنكم في الجهل بالله والغرة به، ﴿الغرورُ﴾ أي : الشيطان، أو : الدنيا، أو : الأمل. وفي الحديث :" الكيسَ من دَانَ نَفسَهُ وعَمِلَ لَمَا بَعْدَ المَوْتِ، والأحمقُ من أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وتمنَّى عَلَى الله الأمَاني " وفي الحديث أيضاً :" كَفَى بخشية الله علماً، وبالاغترار به جهلاً ". ﴿إن الله عنده علمُ الساعة﴾ أي : وقت قيامها، فلا يعلمه غيره، فتأهبوا لها، قبل أن تأتيكم بغتة. ﴿ويُنزل الغيث﴾ : عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل، أي : إن الله يُثبت عنده علم الساعة، ويُنزل الغيث في وقته، من غير تقديم ولا تأخير، وفي محله، على ما سبق في التقدير، ويعلم كم قطرة ينزلها، وفي أي بقعة يمطرها. ﴿ويعلم ما في الأرحام﴾ ؛ أذكر أم أنثى، أتام أم ناقص، وشقي أو سعيد، وحسن أو قبيح. ﴿وما تدري نفس ماذا تكْسِبُ غداً﴾ من خير أو شر، ووفاق وشقاق، فربما كان عازمة على الخير
٣٨٢
فعملت شراً، أو على شر فعملت خيراً. ﴿وما تدري نفس بأي أرضٍ تموتُ﴾ أي : أين تموت، فربما أقامت بأرض، وضربت أوتادها، وقالت : لا أبرحُها، فترمي بها مرامي القدر حتى تموت بمكان لم يخطر ببالها. رُوي أن ملك الموت مرَّ على سليمان عليه السلام فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه، فقال الرجل : مَن هذا ؟ فقال : ملك الموت، فقال : كأنه يُريدني، فسأل سليمانَ أن يحمله الريح ويلقيه ببلاد لهند، ففعل، ثم قال ملك الموت لسليمان : كان دوام نظري إليه تعجباً منه، لأني أُمرت أن أقبض روحه بالهند، وهو عندك. هـ.