وفي بعض الأخبار القدسية :" يقول الله عز وجل : أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت مكة بيدي، أُغني الحاج ولو بعد حين، وأُفقر الزاني ولو بعد حين، هذا وباله في الدنيا والآخرة، وأما في عالم البرزخ ؛ فتُجعل أرواحهم في تنوير من نار، فإذا اشتعلت عَلَوْا مع النار، وإذا خمدت سقطوا إلى أسفلها، هكذا حتى تقوم الساعة، كما في حديث البخاري. وقال ابن رشد : ليس بعد الشرك أقبح من الزنا ؛ لِما فيه من هتك الأعراض واختلاط الأنساب، ومن تاب فإن الله يتوب على من تاب. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله﴾ : قال في الإحياء : في الحديث :" خيار أمتي أَحِدَّاؤُهَا " يعني : في الدين ؛ قال تعالى :﴿ولا تأخذكم بهما
٤٩
رأفة﴾
، فالغيرة على الحُرَمِ، والغضب لله وعلى النفس، بكفها عن شهوتها وهواها، محمود، وفَقْدُ ذلك مذمومٌ. هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧
يقول الحق جل جلاله : من شأن ﴿الزاني﴾ الخبيث : أنه لا يرغب إلا في زانية خبيثة من شكله، أو في مشركة، والخبيثة المسافحة لا يرغب فيها إلا من هو من شكلها، من الفسقة أو المشركين، وهذا حُكْمٌ جار على الغالب المعتاد، جيء به ؛ لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني، بعد زجرهم عن الزنا بهن ؛ إذ الزنا عديل الشرك في القبح، كما أن الإيمان قرين العفاف والتحصن، وهو نظير قوله :﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور : ٢٦].
روي أن المهاجرين لَمَّا قدموا المدينة، وكان فيهم من ليس له مال ولا أهل، وبالمدينة نساء بغايا مُسافِحَات، يُكرين أنفسهن وهُنَّ أخْصَبُ أهل المدينة، رغب بعضُ الفقراء في نكاحهن ؛ لحسنهن، ولينفقوا عليهم من كَسْبِهِنّ، فاستأذنوا النبي ﷺ فنزلت، فنفرهم الله تعالى عنه، وبيَّن أنه من أفعال الزناة وخصائص المشركين، فلا تحوموا حوله ؛ لئلا تنتظموا في سلكهم وتَتَّسِمُوا بسمتهم.


الصفحة التالية
Icon