رُوي أن آية القذف المتقدمة لَمَّا نزلت ؛ قرأها النبي ﷺ على المنبر، فقام عاصم بن عدي الأنصاري، فقال : جعلني الله فداءك، إن وجد رجل مع امرأته رجلاً، فأخبر بما رأى، جُلِدَ ثمانين، وسماه المسلمون فاسقاً، ولا تقبل شهادته أيضاً، فكيف لنا بالشهداء، ونحن إذا التمسنا الشهداء فرغ الرجلُ من حاجته، وإن ضربه بالسيف قُتل ؟ اللهم افتح، وخرج فاستقبله هلالُ بن أمية - وقيل : عُوَيْمِر - فقال : ما وراءك ؟ فقال : الشر، وجدت على امراتي خولة - وهي بنت عاصم - شريكَ بن سحماء - فقال عاصم : والله هذا سؤال ما أسرع ما ابتليت به، فرجعا، فأخبرا رسول الله ﷺ، فكلم خولة : فأنكرت، فنزلت هذه الآية، فتلاعنا في المسجد، وفرَّق بينهما، فقال ﷺ :" ارقبوا الولد، إن جاءت به على نعت كذا وكذا، فما أراه إلا كذب عليها، وإن جاءت به على نعت كذا، فما أراه إلا صدق " فجاءت به على النعت المكروه.
قال تعالى :﴿ولولا فضلُ الله عليكم﴾ أي : تفضله عليكم ﴿ورحمتُه﴾ ؛ ونعمته ﴿وأنَّ الله تواب حكيم﴾، وجواب " لولا " : محذوف ؛ لتهويله، والإشعار بضيق العبارة عن حصره، كأنه قيل : لولا تفضله تعالى عليكم ورحمته وأنه تعالى مبالغ في قبول التوبة، حكيم في جميع افعاله وأحكامه، التي من جملتها : ما شرع لكم من حكم اللعان، لكان ما كان، مما لا يحيط به نطاق العبارة، من حد الزوج مع الفضيحة، أو قتل المرأة، أو غير ذلك من العقوبة. قال القشيري : لبقيتم في هذه المعضلة ولم تهتدوا إلى الخروج من هذه الحالة المشكلة. هـ.
الإشارة : النفس إذا تحقق فناؤها، وكمل تهذيبها، رجعت سراً من أسرار الله، فلا يحل رميها بنقص ؛ لأن سر الله تعالى منزه عن النقائص، فإن رماها بشيء فليبادر بالرجوع
٥٤
عنه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣
قلت :(عُصْبة) : خبر " إن "، و(لا تحسبوه) : استئناف.


الصفحة التالية
Icon