ولولا إذْ سَمِعْتُموه} من المخترعين والشائعين له ﴿قُلتم ما يكونُ لنا﴾ ؛ ما يمكننا ﴿أن نتكلَّمَ بهذا﴾، وما ينبغي أن يصدر عنا، وتوسيط الظروف بين " لولا " و " قلتم " إشارة إلى أنه كان الواجب أن يُبادروا بإنكار هذا الكلام في أول وقت سمعوه، فلما تأخر الإنكار وبَّخهم عليه، فكان ذكرُ الوقت أَهَمَّ، فقدّم، والمعنى : هلاَّ قُلتم إذ سمعتم الإفك : ما يصح لنا أن نتكلم بهذا، ﴿سبحانك﴾ ؛ تنزيهاً لك، وهو تعجبٌ مِنْ عِظَمِ ما فاهوا به. ومعنى التعجب في كلمة التسبيح : أن الأصل أن يسبح الله عند رؤية العجيب من صنائعه تعالى، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه. أو : تنزيهاً لك أن يكون في حرم نبيك فاجرة، ﴿هذا بهتانٌ عظيم﴾ ؛ لعظمة المبهوت عليه، واستحالة صدقه، فإنَّ حقارة الذنوب وعظمتها باعتبار متعلقاتها. وقال فيما تقدم :﴿هَـاذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ [النور : ١٢]. ويجوز أن يكونوا أُمروا بهما معاً، مبالغة في التبري.
٥٩
﴿يَعِظُكُمُ الله﴾ أي : ينصحكم ﴿أن تعودوا لمثله﴾ أي : كراهة أن تعودوا، أو يزجركم أن تعودوا لمثل هذا الحديث أو القذف أو الاستماع، ﴿أبداً﴾ ؛ مدة حياتكم، ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ ؛ فإن الإيمان وازع عنه لا محالة. وفيه تهييج وتقريع وتذكير بما يوجب ترك العود، وهو الإيمان الصادُّ عن كل قبيح.
﴿ويُبيِّن الله لكم الآياتِ﴾ الدالة على الشرائع ومحاسن الأدب، دلالة واضحة ؛ لتتعظوا وتتأدبوا، أي : ينزلها كذلك ظاهرة مبينة، ﴿والله عليمٌ حكيمٌ﴾ ؛ عليم بأحوال مخلوقاته، حكيم في جميع تدابيره وأفعاله، فَأَنَّى يصحُّ ما قيل في حرمة من اصطفاه لرسالته، وبعثه إلى كافة الخلق، ليرشدهم إلى الحق، ويزكيهم ويطهرهم تطهيراً ؟ والله تعالى أعلم.