الإشارة : كل ما يصد عن مكارم الأخلاق ؛ كالحلم، والصبر، والعفو، والكرم، والإغضاء، وغير ذلك من الكمالات، فهو من خطوات الشيطان، تجب مجانبته، فإن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر ؛ كالغضب، والانتصار، والحمية، والحقد، والشح، والبخل، وغير ذلك من المساوئ، ولا طريق إلى الدواء من تلك المساوئ إلا بالرجوع إلى الله والاضطرار له، والتعلق بأذيال فضله وكرمه. ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً، فإذا تعلق بالله، واضطر إليه اضطرار الظمآن إلى الماء طهَّره الله وزكاه، إما بلا سبب، أو بأن يلقيه إلى شيخ كامل، يُربيه ويهذبه بإذن الله، وهذا هو الكثير، والكل منه وإليه.
قال الورتيجبي قوله تعالى :﴿ولولا فضل الله عليكم رحمته...﴾ إلخ : بيّن أن تطهير العباد من الذنوب لا يكون إلا بفضله السابق وعنايته الأزلية، كيف يزكي العِلَلَ ما يكون عللاً، فالمعلول لا يُطَهِّرُ، والمعلول أفعال الحدثان على كل صنف، ولطف القديم له استحقاق ذهاب العلل بوصوله. قال السياري : قال الله :﴿ولولا فضل الله عليكم﴾، ولم يقل : لولا عبادتكم وصلاتكم وجهادكم وحسن قيامكم بأمر الله ما نجا منكم أحد ؛ ليعلم أن العبادات، وإن كثرت، فإنها من نتائج الفضل. هـ.
قال في الحاشية : وظهر لي أن الآية مقدمة لما ندب إليه الصدِّيق بقوله :﴿ولا يأتل
٦٢
أولو الفضل منكم﴾
، ففيه إشارة إلى أن فضله وزكاته فضل من الله عليه، وعنايةٌ سابقةٌ، وهي سبب حِفْظِهِ وتحليه بِخِلَعِ كوامل الأوصاف، فليشهدْ ذلك، ولا يأتل على من لم يجد ذلك، حتى وقع فيما وقع من القذف، بل يعذره، ويرى مِنَّةَ الله عليه في كونه نَزَّهَهُ بعنايته من الوقوع في مثل ذلك، مع كون المحل قابلاً، ولكن الله خَصَّصَهُ. هـ.


الصفحة التالية
Icon