والناس في الشكر درجات : عوام، وخواص، وخواص الخواص. فدرجة العوام : الشكر على النِّعم، ودرجة الخواص : الشكر على النِّعم والنقم، وعلى كل حال، ودرجة خواص الخواص : أن يغيب عن النِعم بمشاهدة المُنعم. قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إن الفقراء إذا أُعطوا شكروا، وإذا مُنعوا صبروا، فقال : هذه أخلاق الكلاب عندنا، ولكن الفقراء إذا مُنعوا شكروا، وإذا أُعطوا آثروا. هـ.
وهذان الآخران يصدق عليهما قوله تعالى :﴿وقليل من عبادي الشكور﴾، وخصه القشيري بالقسم الثالث، فقال : فكان الشاكر يشكر على البَذْلِ، والشكور على المنع، فكيف بالبذل ؟ ثم قال : ويقال في ﴿قليل من عبادي الشكور﴾ : قليل مَن يأخذ النعمة مني، فلا يحملها على الأسباب، فيشكر الوسائط ولا يشكرني. وفي الحِكَم :" مَن لم يشكر النعم فقد تعرّض لزوالها، ومَن شكرها فقد قيّدها بعقالها ". فالشكر قيد الموجود، وصيد المفقود. والله تعالى أعلم.
٧٠
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿فلما قَضَيْنَا عليه﴾ على سليمان ﴿الموتَ ما دلّهم﴾ أي : الجن وآل داود ﴿على موته إِلا دابةُ الأرض﴾ أي : الأرضة، وهي دويبة تأكل الخشب، ويقال : لها، سُرْفةَ والقادح. والأرض هنا مصدر : أرَضَتِ الخشبة، بالبناء للمفعول، أرَضَّا : أكلتها الأرضة. فأضيفت إلى فعلها وهو الأرض، أي : الأكل. ﴿تأكل مِنْسَأَتَهُ﴾ أي : عصاه، سميت منسأة ؛ لأنها تنسى، أي : تطرح ويُرْمى بها. وفيها لغتان ؛ الهمز وعدمه، فقرأ نافع وأبو عمرو بترك الهمز، وعليه قول الشاعر :
إِذا دَبَبْتُ على المِنسَاةِ مِن كِبَرٍ
فَقَد تَبَاعَدَ عَنْكَ اللهْوُ والغَزلُ
وقرأ غيرهما بالهمز، وهو أشهر.


الصفحة التالية
Icon