ثم سلَّى نبيه عن صدف قومه عن شكر المُنعم بقوله :﴿وإِن يُكذِّبوك فقد كُذِّبتْ رسلٌ مِن قبلك﴾ فلك فيهم أُسوة، فاصبر كما صبروا. وتنكير " رسل " للتعظيم، المقتضي لزيادة التسلية، والحث على المصابرة، أي : فقد كُذِّبت رسل عظام، ذوو عدد كثير، وأولو آيات عديدة، وأهل أعمار طوال، وأصحاب صبر وعزم. وتقدير الكلام : وإن يكذبوك فتأسّ بتكذيب الرسل قبلك ؛ لأن الجزاء يعقب الشرط، ولو أجري على الظاهر، لكان الجزاء مقدماً على الشرط ؛ لأن تكذيب الرسل سابق، فَوضعَ ﴿فقد كُذّبت رسل من قبلك﴾ موضع فتأسّ، استغناءً بالسبب عن المسبب. ﴿وإِلى الله تُرجع الأمورُ﴾ وهو كلامٌ مشتمل على الوعد والوعيد، من رجوع الأمور إلى حكمه، ومجازاة المكذِّب والمكذَّب بكل ما يستحقه في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالنصر والعز لأهل الحق، وبالذل والإهانة لأهل التكذيب، وفي الآخرة معلوم، فالإطلاق أحسن من التقييد بالآخرة. والله تعالى أعلم.
١٠١
الإشارة : ذكر النعمة هو أن ينظر العبد، ويتفكر في نفسه، فيجد نفسه مغروقة في النعم الظاهرة والباطنة. وقد تقدّم تعدادها في لقمان. وليتفكر في حالته الماضية، فقد كان جاهلاً، فعلَّمه الله، ضالاًّ، فهداه الله، غافلاً، فأيقظه الله، عاصياً، فوفقه الله، إلى غير ذلك من الأحوال السنية. ولينظر أيضاً إلى مَن تحته مِن العباد، فيجد كثيراً مَن هو أسوأ منه حالاً ومقاماً، فيحمد الله ويشكره. قال ﷺ :" انظروا إلى مَن هو تحتكم ولا تنظروا إلى مَن فوقَكم فهو أَجْدَرُ ألا تَزْدَرُوا نعمةَ الله عليكم " وحمله المحققون على العموم في الدين والدنيا. ذكره ابن عباد في الرسائل وغيره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠١