الحبيب، فكفاهم عداوة العدو. قيل لبعضهم : كيف صُنعك مع الشيطان ؟ فقال : نحن قوم صرفنا هِممنا إلى الله، فكفانا مَن دونه. فالشيطان كالكلب إن اشتغلت بدفعه مزّق الثياب، أو قطع الإهاب، وإن رفعته إلى مولاه كفاك شره. وكذلك النفس إن اشتغلت بتصفيتها ومجاهدتها على الدوام شغلتك عن ذكر الله، والفناء فيه، ولكن الدواء هو الغيبة عنها، والاشتغال بالله دائماً، فإذا أظهرتْ رأسها بقيام شهوتها، دُقّه، بعكس مرادها، وغِبْ عنها في ذكر الله. ومن حِكم شيخنا البوزيدي رضي الله عنه :" انس نفسك بالله، واعتمد على فضل الله، وامتثل شيئاً ما، وينوب الله ". وفي الحكم العطائية :" إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده ". وقال أيضاً :" وحرّك عليك النفس ليدون إقبالك عليه ". وقال :" لو كنت لا تصل إليه إلا بعد فناء مساوئك، ومحو دعاويك، لم تصل إليه أبداً. ولكن إذا أراد أن يُوصلك إليه، غطى وصفك بوصفه، ونعتك بنعته، فوصلك بما منه إليك، لا بما منك إليك ".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٢
قلت :﴿أفمن﴾ : مبتدأ حُذف خبره، أي : كمن هداه الله، أو ذهبت نفسك عليه حسرات. و ﴿حسرات﴾ : مفعول له. وجَمعها لتضاعف اغتمامه، أو تعدُّد مساوئهم. و ﴿عليهم﴾ : صلة لتذهب، كما تقول : هلك عليه حُبًّا، ومات عليه حُزناً. ولا يتعلق بحسرات ؛ لأن المصدر لا يتقدَّم عليه صلته، إلا أن يتسامح في الجار والمجرور.