قلت : وكذلك مَن وقف مع الكرامات والمقامات، وحلاوة الطاعات، دون درجة المشاهدة، فقد زُين له سوء عمله. والحاصل : كل مَن وقف مع شيء، دون تحقيق الفناء في الذات، فهو مُزيَّن له سوء عمله. وكل مَن لم يصحب الرجال فهو غالط، يظن أنه واصل، وهو منقطع في أول البدايات. وبالله التوفيق. وقوله تعالى :﴿فلا تَذهب نفسك عليهم حسرات﴾، كذلك يقال للواعظ، إذا رأى إدبار الخلق، وعدم تأثير الوعظ فيهم، فليكتفِ بعلم الله فيهم، ولا يتأسّف على أحد، فإن التوفيق بيد الله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٤
قلت :" كذلك " : خبر مقدّم، و " النشور " : مبتدأ.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿واللهُ الذي أرسلَ الرياحَ﴾ وفي قراءة بالإفراد، للجنس، ﴿فتُثير سحاباً﴾ أي : تزعجه، وعبَّر بالمضارع على حكاية الحال الماضية استحضاراً لتلك الصورة البديعة، التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، الدالة على كمال القدرة وباهر الحكمة. ﴿فسُقناه إِلى بلدٍ ميتٍ﴾ لا نبات فيه، ﴿فأحيينا به﴾ أي : بالمطر النازل منه ﴿الأرضَ بعد موتها﴾ بعد يبسها. وعدل من الغيبة إلى التكلم ؛ لأنه أدخل في الاختصاص ؛ لِمَا فيه من مزيد بديع الصنع، ﴿كذلك النشورُ﴾ أي : مثل إحياء الموات نشور الأموات. وقيل : يحيي الله الخلق بماء يرسله من تحت العرش، كمنيّ الرجال، فتنبت به الأجسادُ في قبورها، ثم يرسل الأرواح فتدخل في أشباحها. قال أبو رزين : قلت : يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ فقال :" هل مررت بواد أهلك مَحْلاً ؟ ـ أي جدباً ـ " قلت : نعم، قال :" فكذلك يُحيي الله الموتى، وتلك آية الله في خلقه ".
١٠٥


الصفحة التالية
Icon