الإشارة : بحر الشريعة عذب فُرات، سائغ شرابه، وبحر الحقيقة مِلح أُجاج ؛ لأنه مُرّ على النفس، يحتاج ركوبه إلى بذل المُهج والنفوس، وحط الرؤوس، وبذل الأموال، ورفض الأوطان والدنيا وأهلها. بخلاف الشريعة، فلا تحتاج إلى هذا كله، وإن كانت متوقفة على مشاق التعلُّم والتدريس، ولن تُنال مع بقاء عز النفس والمال والجاه، وغير ذلك. ومن كُلٍّ تأكلون لحماً طرياً، فبحر الشريعة يُنال منه حلاوة المعاملة الظاهرة، وبحر الحقيقة يُأكل منه حلاوة الشهود والمعرفة. وترى سُفن الأفكار في بحار الأحدية، مواخر، تجول في عظمة بحر الجبروت والملكوت، ولِتبتغوا من فضله تمامَ معرفته، ولتكونوا من الشاكرين أي : ممن يعبد شُكراً، لا قهراً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٩
قال القشيري : وما يستوي الوقتان، هذا بسط، وصاحبه في رَوْح، وهذا قبضٌ، وصاحبه في نَوْح. هذا خوفٌ وصاحبه في اجتياح، وهذا رجاءٌ وصاحبه في ارتياح. قلت : الرجاء عذب. والخوف ملح، خلاف ما يقتضي كلامه. ثم قال : هذا فرق، وصاحبه بوصف العبودية، وهذا جمع، وصاحبه بشهود الربوبية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٩
يقول الحق جلّ جلاله :﴿يُولج الليلَ في النهار ويُولج النهارَ في الليل﴾ أي : يُدخل من ساعات أحدهما في الآخر، حتى يصير الزائدُ منهما خمس عشرة ساعة، والناقص تسعاً. ﴿وسخَّر الشمسَ والقمرَ﴾ ذللها لِمَا يُراد منهما، ﴿كُلٌّ يجري لأجلٍ مسمى﴾ أي : يوم القيامة، فينقطع جريهما، ﴿ذلكم اللهُ ربكم﴾ الإشارة إلى فاعل هذه الأشياء، وهي : مبتدأ، و " الله " وما بعده : أخبار، ﴿له الملكُ﴾ له التصرف التام. ﴿والذين تَدْعُون من دونه﴾ من الأصنام، أي : تعبدونهم، ﴿ما يملكون من قِطْمِير﴾ وهي القشرة الرقيقة الملتفة على النواة، كما أن النقير : النقطة في ظهره. وهما كنايتان عن حقارة الشيء وتصغيره.