الإشارة : الفقر على أربعة أقسام : فقر من الدين، وفقر من اليقين، وفقر من المال، وفقر مما سوى الله. فالأولان مذمومان، وصاحبهما موسوم بالإفلاس والهلع، ومنهما وقع التعوُّذ في الحديث. والثالث : إن صحبه الرضا فممدوح، وفيه وردت الأحاديث النبوية، وإلاَّ فمذموم، ويشمله التعوُّذ في الحديث. الرابع : هو مطلب القاصدين والعارفين، وهو الغيبة عما سوى الله، والغنى بالله، كما قال الشيخ أبو الحسن :" أسألك الفقر عما سواك، والغنى بك، حتى لا نشهد إلا إياك " وهو ينشأ عن التحقُّق بالفقر ظاهراً وباطناً ؛ لأن الفقر من وصف العبد، والغنى من وصف الرب، فمَن تحقق بوصفه أمدّه الله بوصفه، " تحقق بوصفك يُمدك بوصفه، تحقق بفقرك يمدك بغناه، تحقق بذلك يمدك بعزه ". وقال القشيري : بعد كلام ـ : والفقراءُ على أقسام : فقير إلى الله، وفقير إلى شيء هو من الله ؛ معلومٍ ومرسوم. ومَن افتقر إلى شيءٍ استغنى بوجود ذلك الشيء، فالفقير إلى الله هو الغني بالله، فالافتقار إلى الله لا يخلو من الاستغناء بالله. فالفقير إليه مُسْتَغْنٍ به، والمستغنى به فقيرٌ إليه. ومن شرف الفقر اقترانه بالتواضع والخشوع، ومن آفات الغنى امتزاجُه بالتكبُّر. وشَرَفُ العبد وعزه في فقره، وذُلُّه وصغاره في توهمه الغنى، وأنشدوا :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١١
وإذا تذلّلَت الرقابُ تَقَرُّباً
منَّا إليكَ فعِزُّها في ذُلِّها
١١٢
ومن شرط الفقير : ألا يملك شيئاً، ولا يملكه شيء. ومن آداب الفقير الصادق : إظهارُ التكثُّر عند وجود التقتُّر، والشكر على البلوى، والبُعد عن الشكوى. ويقال : الفقر المحمود : العيش مع الله براحة الفراغ على سَرْمَدِ الوقت، من غير استكراه شيء منه بكلِّ وجْهٍ. هـ. ملخصاً.


الصفحة التالية
Icon