جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٧
الإشارة : ألم تر أن الله أنزل من سماء الغيوب ماء الواردات الإلهية، فأخرجنا به ثمرات، وهي العلوم والأذواق والوجدان، مختلف ألوانها، فمنها علوم الشرائع، وتحقيق مسائلها، ومنها علم العقائد، وتشييد أدلتها وبراهينها، ومنها علوم اللسان بإتقان قواعدها، ومنها علم القلوب وتصفيتها من العيوب، وهو علم الطريقة، ومنها علم الأسرار، وهي
١١٨
أسرار الذات والصفات، وهو علم الحقيقة. ومن جبال العقل طُرق بيض، وحمر، وسود، فالبيض : طرق الكشف والبيان، وحلاوة الذوق والوجدان، والحُمر : طُرق الدليل والبرهان ؛ لأنها قد تظهر وتخفى، والسود الغرابيب : عقول الفلاسفة والطبائعيين، أهل الحدس والتخمين، إذا لم يقتدوا بالكتاب المبين، وشرعِ النبي الأمين. أولئك هم الضالون المضلُّون.
ولمّا كان النظر في هذه المصنوعات إنما يكون بالعلم، ذكر أهله، فقال :
﴿... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنما يخشى اللهَ﴾ أي : يخافه ﴿من عباده العلماءُ﴾ لأنهم هم الذين يتفكرون في عجائب مصنوعاته، ودلائل قدرته، فيعرفون عظمته وكبرياءه، وجلاله وجماله، ويتفكرون فيما أعد الله لمَن عصاه من العذاب ومناقشة الحساب، وفيما أعد لمَن خافه وأطاعه من الثواب، وحسن المآب، فيزدادون خشية، ورهبة، ومحبة، ورغبة في طاعته، وموجب رضوانه، دون مَن عداهم من الجهّال. وفي الحديث عنه ﷺ :


الصفحة التالية
Icon