فهل ينظُرون إِلا سُنَّة الأولين} : ما ينتظرون إلا أن ينزل بهم ما نزل بالمكذبين الأولين، من العذاب المستأصل، كما هي سُنَّة الله فيمن كذّب الرسل. ﴿فلن تجد لسُنة الله تبديلاً، ولن تجد لسُنة الله تحويلاً﴾ بيّن أن سُنَّته ـ التي هي الانتقام من مكذِّبي الرسل ـ سُنَّة ماضية، لا يبدلها في ذاتها، ولا يحوّلها عن وقتها، وأنَّ ذلك مفعول لا محالة.
﴿أَوَلَم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم﴾ ممن كذَبوا رسلهم، كيف أهلكهم الله ودمرهم، كعاد، وثمود، وقرىء قوم لوط. استشهد عليهم بما
١٣٢
كانوا يُشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق، من آثار الماضين، وعلامات هلاكهم ودمارهم. ﴿و﴾ قد ﴿كانوا أشدَّ منهم قوةً﴾ واقتداراً، فلم يتمكنوا من الفرار، ﴿وما كان الله ليُعْجِزَه﴾ ليسبقه ويفوته ﴿من شيءٍ﴾ أيَّ شيء كان ﴿في السماوات ولا في الأرض إِنه كان عليماً﴾ بأحوالهم ﴿قديراً﴾ على أخذهم. وبالله التوفيق.
الإشارة : ترى بعض الناس يقول : لئن ظهر شيخ التربية لنكونن أول مَن يدخل معه، فلما ظهر، عاند واستكبر، وربما أنكر ومكر. نعوذ بالله من سابق الخذلان. قال القشيري : ليس لقولهم تحقيق، ولا لضمانهم توثيق، وما يَعدُون من أنفسهم فصريحُ زورٍ، وما يُوهمُون من وِفاقهم فصِرْفُ غرور. وكذلك المريد في أول نشاطه، تُمَنِّيه نَفْسُه ما لا يقدر عليه، فربما يعاهد الله، ويؤكد فيه عقداً مع الله، فإذا عَضّتْهُ شهوتُه، وأراد الشيطانُ أن يكذبه، صَرَعه بكيده، وأركسه في كُوةِ غيِّه، وفتنةِ نَفْسه ؛ فيسودُّ وجْهُه، ويذهب ماء وجهه.
ثم قال في قوله :﴿أولم يسيروا...﴾ الخ : ما خاب له وليٌّ، وما ربح له عدو، ولا تنال الحقيقةُ بمَن انعكس قَصْدُه، وارتدَ عليه كيدُه، دَمّر على أعدائه تدميراً، وأوسع لأوليائه فضلاً كبيراً. هـ.
ثم تمّم قوله :﴿إِنه كان حليماً غفوراً﴾.
١٣٣
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٢