يقول الحق جلّ جلاله :﴿وما أنزلنا على قومه من بعده﴾ أي : من بعد قتله، أو رفعه ﴿من جُندٍ من السماء﴾ فيهلكهم، ﴿وما كنا مُنزِلينَ﴾ وما كان يصحّ في حكمنا في إهلاك قوم أن نُنزل عليهم جنداً من السماء، كما فعلنا معك يوم بدر والخندق ؛ لحظوتك عندنا. وفيه تحقير لإهلاكهم، وتعظيم لشأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال في الكشاف : فإن قلت : لِمَ أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق، مع أنه كان يكفي ملك واحد، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة واحدة ؟ قلت : لأن الله فضَّل محمداً ﷺ بكل شيء، على كبار الأنبياء وأولي العزم، فضلاً عن حبيب النجار. هـ. ملخصاً. ﴿إِن كانت﴾ العقوبة ﴿إِلا صيحةً واحدةً﴾ صاح عليهم جبريل عليه السلام ﴿فإِذا هم خامِدُون﴾ ميتون.
الإشارة : كل وعيد ورد في مُكذِّبي الرسل يجر ذيله على مُكذِّبي الأولياء ؛ لأنهم خلفاء الأنبياء، إلا أن عقوبة مؤذي الأولياء، تارة تكون ظاهرة، في الأبدان والأموال، وتارة باطنة، في قسوة القلوب والتعويق عن صالح الأعمال، وكسْف نور الإيمان والإسلام، والبُعد وسوء الختام، وهي الحسرة العظمى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٣
١٤٤
قلت :﴿كم أهلكنا﴾ معلّقة ليَرَوُا عن المفعولين. و ﴿أنهم﴾ : بدل من ﴿كم﴾، والتقدير : ألم يَرَوا كثرة إهلاكنا قبلهم من القرون كونهم غير راجعين إليهم. و ﴿وإِن كُلٌّ لمَّا جميع﴾ : من قرأ " لما " بالتخفيف، فإن : مخففة، واللام : فارقة، و " ما " مزيدة، أي : وإنه، أي : الأمر والشأن لَجميعٌ محضرون عندنا. ومَن قرأها بالتشديد ؛ فإِنْ : نافية، و " لَمَّا " : بمعنى إلا، أي : ما كُلهم إلا مجموعون ومُحضرون للحساب.


الصفحة التالية
Icon