ويُرميان في النار، ﴿وكلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُون﴾ أي : وكلهم في فلك يسبحون ؛ يسيرون ؛ فالتنوين للعوض ؛ والضمير للشمس والقمر ؛ فإنَّ اختلاف الأحوال يُوجب تعدُّداً ما في الذات، أو : للكواكب ؛ فإن ذكر النيرين مشعر بها ﴿وكل في فلك يسبحون﴾ يقرأ مقلوباً ومرتّباً، ففيه نوع من البديع.
الإشارة : وآيةٌ لهم ليلُ الغفلة نسلخ منه نهارَ اليقظة، ونهارُ اليقظة، نسلخ منه ليلَ الغفلة، فلا يزال العبد بين غفلة ويقظة، حتى تُشرق عليه شمس العرفان، وتستقر في قلبه، فلا غروب لها، وإليه الإشارة بقول :﴿والشمس تجري لمستقرٍ لها﴾، ومستقرها : قلوب العارفين. وقمر الإيمان قدَّرناه منازل، ينقص ويزيد، بزيادة التفرُّع والتوجُّه ونقصانه، حتى تطلع عليه شمس العرفان، فينسخ نوره، فلا زيادة ولا نقصان. قال القشيري : فشبيهُ الشمس عارفٌ أبداً في ضياء معرفته، صاحبُ تمكينٍ، غيرُ مُتَلَوِّنٍ، شُرفَ في بروج سعادته قائماً، لا يأخذه كسوفٌ، ولا يستره سحابٌ. وشبيهُ القمر عبدٌ تلوّن أحوالُه في التنقُّل، صاحب تلوين، له من البسط ما يرقيه إلى حَدِّ الوصال، ثم يُرَدُّ إلى الفترة، ويقع في القبض مما كان فيه من صفاء الحال، فيتناقص، ويرجع إلى نقص أمره إلى أن يدفع قلبه عن وقته، ويجود عليه الحقُّ سبحانه، فيُوَفِّقُه لرجوعه عن فترته، وإفاقته من سَكَرتِهِ، فلا يزال تصفو أحواله، إلى أن يَقْرُبَ من الوصال، ويُرزقَ صفة الكمال، ثم بعد ذلك يأخذ في النقص والزوال، كذلك حاله إلى أن يُحَقَّ له بالمقسوم ارتحاله، وأنشدوا :
كُلَّ يومٍ تَتَلَونْ
غيرُ هذا بِكَ أجمل
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٧


الصفحة التالية
Icon