قال تعالى :﴿وما تَأتيهم من آيةٍ من آيات ربهم﴾ الدالة على وحدانيته تعالى، وصدق رسوله، ﴿إِلا كانوا عنها معرضين﴾ لا يلتفتون إليها، ولا يرفعون لها رأساً، فـ " من " الأولى لتأكيد النفي، والثاني للتبعيض، أي : دأبهم الإعراض عن كل آية وموعظة.
﴿وإذا قيل لهم أَنفقوا مما رزقكم اللهُ﴾ أي : تصدّقوا على الفقراء، ﴿قال الذين كفروا﴾ من مشركي مكة ﴿للذين آمنوا أَنُطْعِمُ من لو يشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنه : كان بمكة زنادقة، فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين، قالوا : لا والله، أيُفقره الله ونُطعمه نحن ؟ !. قيل : سبب الآية : أن قريشاً لَمّا أسلم ضعفاؤهم، قطعوا عنهم صِلاتهم، فندبهم بعضُ المؤمنين إلى ذلك، فقالوا تلك المقالة.
وقيل : إن قريشاً شَحَّتْ ـ بسبب أزمة نزلت بهم ـ على المساكين، مؤمِنهم وكافرهم، فندبهم النبي ﷺ إلى النفقة على المساكين، فقالوا على سبيل الجهل : أَنُطعم قوماً أراد الله فقرهم وتعذيبهم. ومن أمثالهم : كن مع الله على المدبر، حتى كان الرجل يرعى إبله، فيجعل السِمَان في الخصب، والمهازيل في الجدب، فإذا قيل له في ذلك، قال : أُكرم ما أَكرم الله، وأُهين ما أهان الله. ويحتمل أن يكون قولهم ذلك استهزاءً، فكأنهم قالوا : لِمَ لا يرزقهم إلهك الذي تزعم.
قال الكواشي : قد يتمسّك بهذه الآية بعضُ البخلاء، فيقول : لا أُعطي مَن حرمه الله. وليس هذا بصحيح ؛ لأن الله تعالى أغنى وأفقر، وجعل للفقير جزءاً من مال الغني كما يشاء. وفي الإحياء : أن المراد بالصدقة وشرعها : التخلُّص من رذيلة البخل، وذكل نفع يعود على المتصدق، بإخراجه عن حب الدنيا، وتعلُّق قلبه بها، الصادّ عن الله، وهؤلاء لم يفهموا حكمة الله، فقالوا ما قالوا. هـ. ثم قال :﴿إِن أنتم إِلا في ضلال مبين﴾ في أمركم لنا بالنفقة، أو في غير ذلك من دينكم، أو : يكون من قول الله تعالى للكفرة.


الصفحة التالية
Icon