ثم قال تعالى :﴿هُمْ وأَزواجُهم في ظِلالٍ﴾ جمع ظِل، وهو : الموضع الذي لا تقع عليه الشمس. وفي قراءة " ظُلَل " بالضم، جمع ظُلة، كبُرمة وبرام، وهو ما يسترك عن الشمس، وظل أهل الجنة لا تنسخه شمس، قال تعالى :﴿وَظِلًٍّ مَّمْدُودٍ﴾ [الواقعة : ٣٠] ﴿عَلَى الأَرَآئِكِ﴾ : جمع أريكة، وهي السرير في الحَجَلة. فالأرائك : السرر المفروشة، بشرط أن تكون عليها الحَجلة، وإلا فليست بأريكة، والحَجَلة : ما يستر السرير من ثوب الحرير. وهم ﴿متكئون﴾ عليها كالملوك على الأسرّة. ﴿لهم فيها فاكهة﴾ كثيرة مما يشتهون. ﴿ولهم ما يَدَّعُون﴾ أي : كل ما يَدعونه يأتيهم فوراً، فوزنه : يفتعلون، من الدعاء، أو : ما يتمنون من نعيم الأشباح والأرواح، من قولهم : ادَّع عليّ ما شئت، أي : تمنّه. وقال الفراء : هو من الدعوى، ولا يدّعون إلا ما يستَحقون.
﴿سلام قولاً من ربٍّ رحيم﴾ أي : من أهم ما يدعون : سلام يقال لهم قولاً من رب رحيم، بلا واسطة ؛ مبالغة في تعظيمهم، وذلك غاية متمناهم، مضافاً لرؤيته، ومن مقتضى الرحمة : الإبقاء عليهم مع ذلك. قال القشيري : يسمعون كلامه وسلامَه بلا واسطة، وأكَّد بقوله :﴿قولاً﴾. وبقوله :﴿من ربٍّ رحيم﴾ ليُعلم أنه ليس على لسان سفير، والرحمة في تلك الحالة أن يرزقهم الرؤية في حال التسليم عليهم، ليكمل لهم النعمة هـ. وفي الحديث عنه ﷺ :" بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذْ سطع لهم نورٌ، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الربُّ قد أشرف عليهم من فوقهم، فيقول : السلام عليكم يا أهل الجنة، فينظر إليهم، وينظرون إليه ". ثم ذكر أهل البُعد والحجاب، فقال :﴿وامتازوا اليومَ أيها المجرمون﴾ أي : انفردوا عن المؤمنين وكونوا على حِدة، وذلك حين يُحشر المؤمنون، ويُساق بهم إلى الجنة. وقال قتادة : عزلوا عن كل خير. وعن الضحاك : لكل كافر بيت من النار، يكون فيه، لا يَرى ولا يُرى أبداً. هـ.


الصفحة التالية
Icon