﴿وحِفْظاً﴾ من الشياطين، كما قال :﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلْشَّيَاطِينِ﴾ [الملك : ٥] أو : بإضمار فعله، أي : حفظناها حفظاً ﴿من كل شيطانٍ ماردٍ﴾ خارج عن الطاعة، فيُرمي بالشهب. ﴿لا يسَّمَّعون إِلى الملأ الأعلى﴾ : استئناف ؛ لبيان حالهم، بعد بيان حفظ السماء منهم، ولا يجوز وصفه لكل شيطان ؛ لأنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون. والضمير لكلٍّ باعتبار المعنى ؛ لأنه في معنى شياطين، وتعدية ﴿يسمعون﴾ بإلى لتضمُّنه معنى الإصغاء ؛ مبالغة في نفيه، وتهويلاً لما يمنعهم عنه. ومَن قرأ بالتشديد فأصله :" يتَسمَّعون " فأدغم. والتسمُّع : طلب السماع. يقال : تسمّع فسمع أو لم يسمع إذا منعه مانع. والملأ الأعلى هم : الملائكة ؛ لأنهم في السموات العُلى، والإنس والجن هم الملأ الأسفل ؛ لأنهم سكان الأرض ﴿ويُقْذَفُون﴾ يُرمون بالشُهب، ﴿مِن كل جانبٍ﴾ من جميع جوانب السماء، من أيّ جهة صعدوا للاستراق.
﴿دُحُوراً﴾ مفعول له، أي : ويُقذفون للدحور، وهو الطرد، أو : مدحورين، على الحال، أو : لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى، فيكون مصدراً له، فكأنه قيل : ويُقذفون قذفاً، ﴿ولهم عذابٌ﴾ آخر ﴿واصبٌ﴾ دائم، أو شديد، وهو عذاب الآخرة، أو : عذاب الدنيا ؛ لأنه دائم الوجوب ؛ لأنهم في الدنيا مرجمون بالشهب دائماً، ﴿إِلا مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ﴾ " مَنْ " : بدل من ضمير " يسمعون "، أي : لا يتسمّع الشياطين إلا الشيطان الذي خَطِفَ الخطفةَ، أي : اختلس شيئاً من كلام الملائكة بسرعة، ﴿فَأَتْبَعه شِهَابٌ ثاقبٌ﴾
١٦٦
أي : نجم مضيء يثقبه، أو يحرقه، أو يخبله، ومنه تكون الغيلان. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon