﴿فلما بلغ معه السعيَ﴾ أي : فلما وُجدَ وبلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه، أي : الحدّ الذي يقدر على السعي مع ابنه، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل : سبع سنين. ﴿قال يا بُني إِني أرى في المنام أَنِّي أَذْبَحُك﴾ أي : قيل له في المنام : اذبح ابنك. ورؤيا الأنبياء وحي، كاليقظة. قال الكواشي : لم يرَ أنه يذبحه في النوم، ولكنه أُمر في النوم بذبحه، بدليل قوله :﴿افعل ما تؤمر﴾. وقيل : رأى أنه يُعالج ذبحه، ولم يرَ إراقة الدم. وقال قتادة : رؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئاً فعلوه. وفي رؤيا ذلك في النوم وتحققه إياه حتى عمل بما رأى، إيذان بأن الأنبياء قد تجوهرت نفوسهم، فلا مجال للكذب فيما يُوحى إليهم، وفيما يصدر عنهم، فهم صادقون مصدِّقون، فليس للشيطان عليهم سبيل، وإيذان بأن مَن كان في منامه صادقاً كان يقظته أولى بالصدق. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨١
وإنما لم يقل :" رأيت " ؛ لأنه رأى مرة بعد أخرى، فقد قيل : رأى ليلة التروية كأنّ قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح روَّى في ذلك من الصباح إلى الرواح ؛ ليعلم أَمِنَ اللهِ هذا الحلم، أم لا، فسُمِّي يوم التروية، فلما أمسى رأى مثل ذلك، فعرف أنه من الله، فسُمِّي يوم عرفة، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة، فهمَّ بنحره، فسُمِّي يوم النحر.
١٨٢
واخْتُلِف مَن المخاطب المأمور بذبحه، فقال أهل الكتابين : هو إسحاق، وبه قال عمر، وعليّ، وابن مسعود، والعباس، وابنه عبد الله، وكعب الأحبار، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومسروق، وعكرمة، والقامس بن أبي بَرّة، وعطاء، ومقاتل، والزهري، والسدي. قال سعيد بن جبير : أُريَ إبراهيم ذبح إسحاق في المنام، فسار به على البراق مسيرة شهر في غداة واحدة، حتى أتى المنحر بمِنى، فلما صرف عنه الذبح، وأمره أن يذبح الكبش، وذبحه، سار به مسيرة شهر في روحة واحدة، طُويت له الأودية والجبال. هـ.