وفيه تنبيهٌ على أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العِرق والعنصر، فقد يلد البرُّ الفاجرَ، والفاجرُ البرَّ. وهذا مما يهدم الطبائع والعناصر، وتنبيه على أن الظلم في أعقابهما لم يعدْ عليهما بعيب، وأن المرء إنما يعاب بسوء فعله، ويُعاقب بما كسبتْ يداه، لا على ما وجد من أصله وفرعه. قال النسفي. قلت : قاعدة " العرق نزاع " أغلبية، لا كلية. وقيل : هو حديث، فيكون أغلبيًّا، فالشجرة الطيبة لا تنبت في الغالب إلا الطيب، إلا لعارض، والشجرة الخبيثة لا تجد فروعها إلا مثلها، إلا لسبب. والله تعالى أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٦
الإشارة : البشارة الكبيرة، والبركة العظيمة، إنما تقع في الغالب بعد الامتحان الكبير، فبقدر الامتحان يكون الامتكان، وبقدر الجلال يعظم الجمال، فإنَّ مع العسر يُسراً. فبقدر الفقر يعقب الغنى، وبقدر الذل يعقب العز، إن كان في جانب الله. وقس على هذا... ويسري ذلك في العقب، كما هو مشاهد في عقب الصالحين والعلماء والأولياء. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولقد منَنَّا﴾ أنعمنا ﴿على موسى وهارونَ﴾ بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية، ﴿ونجَّيناهما وقومَهُما﴾ بني إسرائيل، ﴿من الكربِ العظيم﴾ من الغرق والدهش الذي أصابهم، حين طلعت خيل فرعون عليهم، أو : من سلطان فرعون وقومه وعنتهم. ﴿ونصرناهمْ﴾ أي : موسى وهارون وقومهما ؛ ﴿فكانوا هم
١٨٧
الغالبين﴾ على فرعون وقومه. ﴿وآتيناهما الكتابَ المستبينَ﴾ البليغ في بيانه، وهو التوراة، ﴿وهديناهما الصراط المستقيمَ﴾ صراط أهل الإسلام، وهو الطريق الذي يُوصل إلى الحق، ﴿وتركنا عليهما﴾ الثناء الحسن ﴿في الآخِرِين﴾ الآتين بعدهما، ﴿سلامٌ على موسى وهارونَ إِنَّا كذلكَ نجزي المحسنين إِنهما من عبادنا المؤمنين﴾ الكاملين في الإيمان.