سورة الأحزاب
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣
يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها النبي﴾ أي : المُشرِّف ؛ حالاً، المفخم ؛ قدراً، العلي ؛ رتبة ؛ لأن النبوة مشتقة من النَّبْوَةَ، وهو الارتفاع. أو : يا أيها المخبرُ عنا، المأمون على وحينا، المبلغ خطابنا إلى أحبابنا. وإنما لم يقل : يا محمد، كما قال :" يا آدم، يا موسى " ؛ تشريفاً وتنويهاً بفضله، وتصريحُه باسمه في قوله :﴿مُّحَمَدٌ رَّسُولُ اللهِ﴾ [الفتح : ٢٩]، ونحوه، ليعلم الناس بأنه رسول الله. ﴿اتقِ الله﴾ أي : اثبت على تقوى الله، ﴿ولا تُطع الكافرين والمنافقين﴾ ؛ لا تساعدهم على شيء، واحترس منهم ؛ فإنهم أعداء لله وللمؤمنين.
رُوي أن أبا سُفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السُّلمي، نزلوا المدينة على ابن أُبيّ، رأس المنافقين، بعد أُحد، وقد أعطاهم النبيُّ ﷺ الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن أبي سَرْح، وطُعْمَة بن أُبيْرق، فقالوا للنبي ﷺ، وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا ؛ اللات، والعزى، ومناة، وقل : إن لها شفاعة ومنفعة لِمن عَبَدَها، وندعك وَرَبَّك. فشقّ على النبي ﷺ قولهم، فقال عمر : ائذن لنا، يا
رسول الله، في قتلهم، فقال ﷺ :" إني قد أعطيتهم الأمان " فقال عمر : اخرُجوا في لعنة الله وغضبه، فخرجوا من المدينة، فنزلت.
أي : اتق الله في نقض العهد، ولا تُطع الكافرين من أهل مكة، كأَبي سفيان وأصحابه، والمنافقين من أهل المدينة، فيما طلبوا، ﴿إن الله كان عليماً﴾ بخبث أعمالهم، ﴿حكيماً﴾ بتأخير الأمر بقتالهم.
﴿واتبع ما يوحى إليك من ربك﴾ في الثبات على التقوى، وترك طاعة الكافرين والمنافقين. أو : كل ما يوحى إليك من ربك، ﴿إن الله كان بما تعملون خبيراً﴾ أي : لم يزل عالماً بأعمالهم وأعمالكم. وقيل : إنما جمع ؛ لأن المراد بقوله :" اتبع " : هو وأصحابه، وقرأ بالغيب، أبو عمرو، أي : بما يعمل الكافرون والمنافقون، من كيدهم لكم ومكرهم. ﴿وتوكل على الله﴾ ؛ أَسْنِدْ أمرك إليه، وكِلْهُ إلى تدبيره. ﴿وكفى بالله وكيلاً﴾ ؛ حافظاً موكولاً إليه كل أمر. وقال الزجاج : لفظه، وإن كان لفظ الخبر، فالمعنى : اكتفِ بالله وكيلاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣


الصفحة التالية
Icon