﴿أأُنزل عليه الذكرُ﴾ أي : القرآن ﴿من بيننا﴾ ونحن رؤساء الناس وأشرافهم. أنكروا أن يُختص بالشرف من بين أشرافهم، وينزل عليه الكتاب من بينهم، حسداً من عند أنفسهم، كقولهم :﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف : ٣١]. وأمثال هذه المقالات الباطلة دليل على أن مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد، وقصر النظر على الحطام الدنيوية، والعياذ بالله.
قال الورتجبي : كانوا منطمسة العيون عما ألبسه الحق من أنوار ربوبيته، وسنا جلاله وجماله، لم يروا إلا الصورة الإنسانية، التي هي ميراث آدم من ظاهر الخلقة. وهذا كقوله :﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف : ١٩٨]، استبعدوا اصطفائيته بالوحي، ولم يعرفوا أنه أثرُ اللهِ في العالم، ومشكاةُ تجلِّيه، حتى قالوا مثل ما قالوا :﴿وعَجبوا أن جاءهم مُّنذر منهم﴾، رأوا أنفسهم خالية عن مشاهدة الغيوب، وإدراك نور صفات الحق، فقاسوا نفس محمد ﷺ بأنفسهم، ولم يعلموا أنه كان نفسَ النفوس، وروحَ الأرواح، وأصل الخليقة، وباكورةً من بساتين الربوبية. يا ليتهم لو رأوه في مشاهدة الملكوت، ومناصب الجبروت، إذ خاطبه الحق بلولاك ما خلقتُ الأفلاك. هـ.
٢٠٣