يقول الحق جلّ جلاله :﴿وهل أتاك نبأ الخصم﴾ ؛ استفهام، معناه التعجُّب والتشويق إلى استماع ما في حيزه ؛ لأنه من الأنباء البديعة، والأخبار العجيبة. والخصم ـ في الأصل : مصدر، ولذلك يطلق على الواحد والجمع، كالضيف والزوْر. وأريد هنا اثنان، وإنما جمع الضمير بناء على أن أقل الجمع اثنان. ﴿إذ تسوَّروا المحراب﴾ أي : تصعّدوا سوره ونزلوا إليه. والسور : الحائط المرتفع، ونظيره : تسنمه : إذا علا سنمه. والمحراب : الغرفة، أو : المسجد، سمي محراباً لتحارب الشيطان فيه والخواطر الردية. و " إذ " : متعلق بمحذوف، أي : نبأ تحاكم الخصمين، أو بالخصم ؛ لِمَا فيه من معنى الخصومة، ﴿إِذ دخلوا على داودَ﴾ : بدل مما قبله، أو : ظرف لتَسوروا، ﴿فَفَزِعَ منهم﴾ : تروَّع منهم.
رُويَ أن الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، قيل : جبريل وميكائيل، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في عبادته، فمنعهما الحرس، فتسوّروا عليه المحراب، فلم يشعر إلا وهما بين يديه، جالسان، ففزع منهم ؛ لأنهم دخلوا عليه في غير يوم القضاء، ولأنهم نزلوا من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون مَن يدخل عليه. قال الحسن : جزأ داود عليه السلام الدهر أربعة أجزاء ؛ يوماً لنسائه، ويوماً للعبادة، ويوماً للقضاء، ويوماً للمذاكرة مع بني إسرائيل. فدخلوا عليه يوم عبادته.
فلما فزع ﴿قالوا لا تخفْ﴾، نحن ﴿خصمانِ بَغَى بعْضُنا على بعض﴾ أي : ظلم وتطاول عليه، ﴿فاحكمْ بيننا بالحق ولا تشْطِطْ﴾ ؛ لا تَجُرْ، من : الشطط، وهو مجاوزةُ الحدّ وتخطي الحق، ﴿واهدنا إِلى سواء الصراط﴾ ؛ وأرشدنا إلى وسط الطريق ومحجته،
٢٠٩
والمراد : عين الحق وصريحه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٩


الصفحة التالية
Icon