الإشارة : إنما عُوتب داود عليه السلام لأنه التفت إلى الجمال الحسي الفرقي، دون الجمال المعنوي الجمعي، ولو سبته المعاني بجمالها ما التفت إلى الجمال الفرقي، فلما نبّهه الحق تعالى استغفر ورجع إلى الجمال المعنوي، الذي هو جمال الحضرة القدسية، وعبارة شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي رضي الله عنه : عدَّ عليه التفاته عن الجمال المطلق عن الأشكال والصُور إلى المقيد بهما، وهي مقام تفرقة، لا مقام جمع، فاستغفر ورجع إلى شهود الفاعل جمعاً، عن شهود فعله فرقاً، فخلع عليه خلعة الخلافة والله أعلم. هـ. قال القشيري : قال داود عليه السلام : يا رب إني أجد في التوراة أنك أعطيت الأنبياء الرتب العالية، فأعطينها ؟ فقال : إنهم صبروا لمّا ابتليتهم، فوعد من نفسه الصبر إذا ابتلاه، طمعاً في مثل تلك الرتب، فأخبر أنه يبتليه يوم كذا، فلما جاء ذلك اليوم دخل خلوته، وأغلق أبوابه، ولم يُمكنه غلق باب السماء. وقد قال الحكماء : الهارب مما هو كائن في كف الطالب يتقلّب. ثم إنه كان في البيت كوة، يدخل منها النور، فدخل منها طير صغير، كأنه من ذهب، وكان لداود ولد صغير، فهمَّ أن يقبضه لابنه، فما زال يحاول ويتبعه حتى وقع بصره على المرأة، فامتحن بها، فلم يدع به الاهتمام بولده حتى فعل ما فعل، وفي ذلك لأولي الأبصار عبرة. هـ.
وقال عند قوله :﴿فغفرنا له ذلك﴾ : التجأ داود عليه السلام في أوائل البلاء إلى التوبة، والبكاء، والتضرُّع، والاستكانة، فوجد المغفرةَ والتجاوز. وهكذا مَن رَجع في أوائل الشدائد إلى الله، فالله يكفيه ويتوب عليه، وكذلك مَن صَبَرَ إلى حينِ طالت عليه المحنة. ويقال : إن زلة قدّرها عليك، توصلك إليه بندمك، أحرى بك من طاعة، إعجابك بها يُقصيك عن ربك. هـ. وفي الحِكَم :" معصية أورثت ذُلاًّ وافتقاراً، خير من طاعة أورثت عزًّا واستكباراً " وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كل سوء أدب يُثمر لك حُسن أدب ؛ فهو أدب. هـ.
٢١٢


الصفحة التالية
Icon