قيل : لمَّا نفى التسوية بين الصالح المتقِّي، والمفسد الفاجر، بيَّن ما تحصل به لمتبعيه السعادة الأبدية، ويحصل به الصلاح التام، والتقوى الكاملة. وهو كتاب الله فقال جلّ جلاله :﴿كتابٌ﴾ ؛ وهو القرآن ﴿أَنزلناه إليك مباركٌ﴾ ؛ كثير المنافع الدينية والدنيوية، أنزلناه ﴿ليدَّبّروا آياته﴾ أي : ليتفكروا في آياته، التي من جملتها هذه الآيات المعربة عن أسرار التكوين والتشريع، فيعرفوا ما في ظاهرها من المعاني الفائقة، والتأويلات اللائقة. وقرى :﴿لتدبروا﴾ على الخطاب، أي : أنت وعلماء أمتك، بحذف إحدى التاءين. ﴿وليتذكَّر أولوا الألباب﴾ أي : وليتّعِظ به ذوو العقول الصافية، السليمة من الهوى، فيقفوا على ما فيه، ويعملوا به، فإنَّ الكتب الإلهية ما نزلت إلا ليُتدبر ما فيها، ويُعمَل به. وعن الحسن : قد قرأ هذا القرآن عبيدٌ وصبيان، لا علم لهم بتأويله، حفظوا حروفه وضيّعوا حدوده. هـ.
الإشارة : كتاب الله العزيز بطاقة من عند الملك، والمراد من البطاقة فَهْمُ ما فيها، والعمل به، لا قراءة حروفها ورسومها فقط، فمَن فعل ذلك فهو مقصّر.
وذكر في الإحياء أن آداب القراءة عشرة، أي : الآداب الباطنية :
٢١٥
الأول : فَهْمُ عظمة الكلام وعُلوّه، وفضل الله سبحانه بخلقه، في نزوله عن عرش جلاله، إلى درجة أفهام خلقه، فلولا استتار كُنه جلال كلام الله تعالى، بكسوة الحروف، لما ثبت لكلام الله عرش ولا ثرى، ولَتَلاشى ما بينهما من عظمة سلطانه، ولولا تثبيت الله موسى عليه السلام ما أطاق سماع كلامه، كما لم يطق الجبل مبادر نوره.
الثاني : تعظيم المتكلم به، وهو الله سبحانه، فيخطر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوة كتابه غاية الخطر، ولهذا كان عكرمة إذا نشر المصحف غشي عليه.
الثالث : حضور القلب، وترك حديث النفس، فإذا قرأ آية غافلاً أعادها.