ولمّا حلف : لَيَضْربنَّ امرأته مائةَ ضربة، حيث أبطأت عليه في حاجتها. وقيل : باعت ذوائبها واشترت به رغيفين، وكانت متعلق أيوب. وقيل : طمع الشيطان فيها أن يسجد زوجُها له فيشفيه، أمره الله تعالى ببر يمينه، فقال :﴿وخُذْ بيدك ضِغْثاً﴾ ؛ حُزمة صغيرة من حشيش أو رَيحان، وعن ابن عباس رضي الله عنه : قبضة من الشجر، ﴿فاضرِبْ به ولا تَحْنَثْ﴾، وهذه الرخصة باقية عند الشافعي وأبي حنيفة، خلافاً لمالك ؛ لأن الأَيْمَان عنده مبنية على الأعراف. قال تعالى :﴿إِنَّا وجدناه﴾ ؛ علمناه ﴿صابراً﴾ على البلاء، وأما شكواه فليست جزعاً، بل رجوعاً إلى مولاه، على أنه عليه السلام إنما طلب الشفاء خيفة على قومه، حيث كان الشيطانُ يوسوس إليهم : لو كان نبيّاً لما ابتلي بمثل ما ابتلي به، وإرادة القوة على الطاعة، فقد بلغ أمره إلى أن لم يبقَ منه إلا القلب واللسان. قلت : طلب الشفاء لا ينافي الرضا ؛ لأن العبد ضعيف، لا قوة له على قهرية الحق. ثم قال تعالى :﴿نِعْمَ العبدُ إِنه أوَّابٌ﴾ ؛ رجَّاع إلى الله تعالى. قال القشيري : لم يشغله البلاء عن المُبْلِي. وهو تعليل لمرضه.
الإشارة : كثير من الصوفية اختاروا البلاء على العافية، وبعضهم اختار العافية، قال عليّ رضي الله عنه : لأَن أُعطَى فأَشكر أحبُّ إِليَّ من أن أُبتلى فأَصبرِ، أي : لأنه طريق السلامة، وبه وردت الأحاديث، والأولى للعبد ألا يختار مع سيده شيئاً، بل يكون مفوضاً مستسلماً، يتلقى ما يرد عليه بالترحيب، أيّ شيء كان. وبالله التوفيق.
٢٢٤
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٣