ودلّت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء، يرجو رحمته، لا عمله، ويحذر عقابه ؛ لتقصيره في عمله، ثم الرجاء إذا جاوز حدّه يكون أمناً. والخوف إذا جاوز حدّه يكون إياساً، وقد قال تعالى :﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف : ٩٩]، و ﴿لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف : ٨٧] فيجب ألا يجاوز أحدهما حدَّه ؛ بل يكون كالطائر بين جناحيه، إلا في حالة المرض، فيغلب الرجاء، ليحسن ظنه بالله. ومذهب محققي الصوفية : تغليب الرجاء مطلقاً، لهم ولعباد الله ؛ لغلبة حسن ظنهم بربهم.
والآية، قيل : نزلت في عثمان رضي الله عنه كان يحيي الليل، وقيل : في عمار
٢٤٤
وأبي حذيفة، وهي عامة لمَن سواهم.
﴿قُلْ هل يستوي الذين يعلمون﴾ حقائق الأحوال، فيعملون بموجب علمهم، كالقانت المذكور، ﴿والذين لا يعلمون﴾ شيئاً ؛ فيعملون بمقتضى جهلهم، كدأب الكافر المتقدم. والاستفهام للتنبيه على أن كون الأولين في أعلى معارج الخير، وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر من الظهور، بحيث لا يكاد يخفى على أحد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٤
قال النسفي : أي : يعلمون ويعملون به، كأنه جعل مَن لا يعمل غير عالم، وفيه ازدراءٌ عظيمٌ بالذين يقْتَنون ـ أي : يدخرون ـ العلوم، ثم لا يَقْنُتون، ويَتفننون فيها، ثم يُفتنون بالدنيا، فهم عند الله جهلة، حيث جعل القانتين هم العلماء. أو : يريد به التشبيه، أي : كما لا يستوي العالم والجاهل، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. هـ.


الصفحة التالية
Icon