قلْ إِن الخاسرين} ؛ الكاملين في الخسران، الذي هو عبارة عن : إضاعة ما يهمه، وإتلاف ما لا بد منه، هم ﴿الذين خسروا أنفُسَهم﴾ بتعريضها للعطب، ﴿وأهلِيِهِم﴾ بتعريضهم للتفرُّق عنهم، فرقاً لا جمع بعده ؛ إما في عذاب الأبد، إن ماتوا على الكفر معهم، أو : في الجنة، إن آمنوا، فلا يرونهم أبداً. وقيل : خسروا أهلهم ؛ لأنهم لم يدخلوا مدخل الذين لهم أهل في الجنة، أو : خسروا أهلهم الذين كانوا يتمتعون بهم، لو آمنوا. ﴿ألا ذلك هو الخسرانُ المبينُ﴾ الذي لا خسران أظهر منه. وتصدير الجملة بحرف التنبيه، والإشارة بذلك إلى بُعد منزلة المشار إليه في الشر. وتوسيط ضمير الفصل،
٢٤٨
وتعريف الخسران، ووصفه بالمبين ؛ من الدلالة على كمال هوله وفظاعته، وأنه لا خسران وراءه، ما لا يخفى.
﴿لهم من فوقهم ظُلَلٌ من النار﴾ أي : لهم ظلل كثيرة متراكمة بعضها فوق بعض، كائنة من النار، ﴿ومن تحتهم﴾ أيضاً ﴿ظُلَلٌ﴾ أي : أطباق كثيرة، بعضها تحت بعض، هي ظلل لآخرين. ﴿ذلك﴾ العذاب الفظيع هو الذي ﴿يُخوِّف اللهُ به عبادَه﴾ ويُحذِّرهم إياه ؛ ليجتنبوا ما يوقعهم فيه. ﴿يا عبادِ فاتقون﴾ ولا تتعرضوا لِما يُوجب سخطي. وهذه موعظة من الله بالغة، منطوية على غاية اللطف والرحمة، جعلنا الله من أهلها بمنِّه وكرمه.
الإشارة : الإخلاص سر بين الله وبين عبده، لا يطلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيُفسده، وهو الغيبة عما سوى الله، فلا يرى في الدارين إلا الله، ولا يعتمد إلا عليه، ولا يخاف إلا منه، ولا يرجو إلا إياه. والإسلام هو : الانقياد بالجوارح في الظاهر للأحكام التكليفية، والاستسلام في الباطن للأحكام القهرية التعريفية، فالإسلام صورة، والاستسلام روحها، فالإسلام بلا استسلام جسد بلا روح.