الإشارة : مَن اتقى الله فيما أمر ونهى، كانت له درجات حسية، مبنية من الذهب والفضة، يترقَّى فيها على قدر عمله وتقواه. ومَن اتقى ما يشغل عن الله من جنس الكائنات، كانت له درجات ومقامات معنوية، قُربية اصطفائية، يرتقي فيها بقدر تقواه وسعيه إلى مولاه، وعد الله لا يُخلف الله الميعاد. قال القشيري : وَعَدَ المطيعين الجنة ـ ولا محالة ـ لا يُخلفه، ووَعَدَ المذنبين المغفرة، ولا محالة ـ يغفر لهم، ووَعَدَ المريدين القاصدين بالوصول، فإذا لم تقع لهم فترة ؛ فلا محالةَ يَصدقُ وَعْده. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥١
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ألم تَرَ﴾ أيها السامع ﴿أن الله أنزلَ من السماء ماءً﴾ هو المطر، وقيل : كل ماء في الأرض فهو من السماء، ينزل منها إلى الصخرة، فيقسمه الله تعالى بين البقاع. ﴿فسَلَكَهُ﴾ : أدخله ونظمه ﴿ينابيعَ في الأرض﴾ أي : عيوناً ومجاري في الأرض، كجري الدماء في العروق في الأجساد : أو : مياهاً نابعة في ظهرها، فإن الينبوع يطلق على المنبع والنابع. فنصب " ينابيع " على الحال، على القول الثاني، وعلى نزع الخافض، على الأول.
﴿ثم يُخرِجُ به زرعاً مختلفاً ألوانه﴾ : أصنافه، من بُر وشعير وغيرهما، أو : كيفياته من الألوان، كالصفرة والخضرة والحمرة، والطعوم وغيرهما. و ﴿ثم﴾ : للتراخي في الرتبة والزمان، وصيغة المضارع : لاستحضار الصورة البديعة، ﴿ثم يهيجُ﴾ أي : يتم جفافه،
٢٥٢
ويشرف على أن يثور من منابته، ويستقل على وجه الأرض، ساتراً لها، ﴿فتراه مُصفراً﴾ من بعد خضرته ونَضرته. ﴿ثم يجعله حطاماً﴾، فُتاتاً متكسرة، كأن لم يغنَ بالأمس، فمَن قدر على هذا قدر على إنشاء الخلق بعد فنائهم ومجازاتهم.


الصفحة التالية
Icon