ثم قال : ويقال : إن المؤمن بقوة عقله يوجبُ استقلاله بعمله إلا أن يبرُز منه كمالٌ يُمكِّنه من وفارة بصيرته، ثم إذا بدت لائحةٌ من سلطان المعارف تصير تلك الأبواب مغمورة، فإذا بَدَتْ أنوارُ التوحيد استهلكت تلك الجملة كذلك، وأنشدوا :
فلمَّا استبان الصبحُ أدرج ضوءُه
بأنواره أنوارَ ضوء الكواكبِ
قلت : استقلال العبد بعمله هو مثل بروز الزرع من منبته، ووفُورِ بصيرته هو إخراج حبه في سنبله، وبدو لائحة من سلطان المعارف هو اصفراره، وظهور أنوار التوحيد التي تفني وجوده وتغمره في وجود الحق هو صيرورتها حطاماً.
٢٥٣
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٢
قلت : الهمزة للإنكار، و ﴿من﴾ : مبتدأ، والخبر محذوف، أي : كمَن ليس كذلك.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿أفمَنْ شرحَ الله صَدْرَه﴾ أي : وسَّعه وهيَّأه ﴿للإسلام﴾ حتى قَبِله وفرح به، واستضاء بنوره، ﴿فهو على نورٍ﴾ عظيم ﴿من ربه﴾، وبصيرة في دينه، وهذا النور : هو اللطف الإلهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية، والتوفيق للاهتداء بها، أو : بمحض الإلهام من الجود والكرم، فيقذف في قلبه نور اليقين، بلا سبب، أو : بصحبة أهل النور، هل يكون هذا كمَن قسا قلبه، وحرج صدره، واستولى عليه ظلمة الغي والضلالة، فأعرض عن تلك الآيات بالكلية ؟ !
ولما نزلت هذه الآية سئل ﷺ عن الشرح المذكور، فقال :" نور يقذفه الله في القلب، فإذا دخل النور القلب انشرح وانفسح " قيل : وهل لذلك علامة ؟ قال :" نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله ". ﴿فويلٌ للقاسيةِ قلوبهم﴾ : أي الصلبة اليابسة ﴿مِن ذكر الله﴾ أي : من أجل ذكره، الذي من حقه أن ينشرح له الصدر، وتلين له النفس، ويطمئن به القلب، وهؤلاء إذا ذكر الله عندهم اشمأزوا من أجله، وازدادت قلوبهم قساوة.


الصفحة التالية
Icon