قال القشيري : والنورُ الذي من قِبَله تعالى نورُ اللوائح بتحقق العلم، ثم نورُ اللوامع بثبات الفهم، ثم نورُ المحاضرة بزوائد اليقين، ثم نور المكاشفة بتجلي الصفات، ثم نور المشاهدة بظهور الذات، ثم أنوار الصمدية بحقائق التوحيد، وعند ذلك فلا وجد ولا فقد، ولا بُعد ولا قُرب، كلا، بل هو الله الواحد القهّار. هـ. فمَن لم يبلغ هذا لا يخلو قلبه من قساوة، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في ضلال مبين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٤
قلت :﴿كتاباً﴾ : بدل من ﴿أحسن﴾، أو : حال، لوصفه بقوله :﴿متشابهاً﴾. و ﴿مثاني﴾ : صفة أخرى لكتابِ، أو : حال أخرى منه، أو : تمييز من " متشابهاً "، كما تقول : رأيت رجلاً حسناً شمائلَ، أي : شمائله، والمعنى : متشابهة مثانيه. و ﴿تقشعر﴾ : الأظهر أنه استئناف، وقيل : صفة لكتاب، أو : حال منه.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿اللهُ نزَّل أحسنَ الحديثِ﴾ وهو القرآن ؛ إذ لا حديث أحسن منه، لا تمله القلوب، وتسأمه الأسماع ؛ بل تِرداده يزيده تجمُّلاً وطراوة وتكثير حلاوة. رُوي أن أصحاب رسول الله ﷺ مَلُّوا ملةً، فقالوا لرسول الله ﷺ : حدثنا حديثاً، فنزلت. والمعنى : أن فيه مندوحة عن سائر الأحاديث.
وفي إيقاع اسم الجلالة مبتدأ، وبناءِ " نزّل " عليه، من تفخيم أحسن الحديث، ورفع محله، والاستشهاد على حسنه، وتأكيد إسناده إليه تعالى، وأنه من عنده، لا يمكن صدوره من غيره، والتنبيه على أنه وحي معجز، ما لا يخفى.
حال كونه ﴿كتاباً مُتشابهاً﴾ أي : يُشبه بعضُه بعضاً في الإعجاز والبلاغة، أو : تشابهت معانيه بالصحة، والإحكام، والابتناء على الحق والصدق، واستتباع منافع الخلق في المعاد والمعاش، وتناسب ألفاظه وجُمَلِه في الفصاحة والبلاغة، وتجاوب نظمه في
٢٥٥