وقال الطيبي : مَن أراد الله أن يهديه بالقرآن، أوقع في قلبه الخشية، كقوله :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة : ٢] ثم يتأثر منه ظاهراً، بأن تأخذه في بدء الحال قشعريرة ؛ لضعفه، وقوة سطوة الوارد، فإذا أدمن على سماعه، وأَلِفَ أنواره، يطمئن ويلين ويسكن. هـ. قلت : وعن هذا عبّر الصدّيق بقوله حين رأى قوماً يبكون عند سماعه :(كذلك كنا ثم قست القلوب) أي : صلبت وقويت على حمل الواردات.
وقال الورتجبي : سماع المريدين بإظهار الحال عليهم، وسماع العارفين بالطمأنينة والسكون. هـ. وقال على قوله :﴿متشابهاً﴾ : إنه أخبر عن كلية الذات والصفات، التي منبعهما أصل القدم، وصفاته كذاته، وذاته كصفاته، وكل صفة كصفة أخرى، من حيث التنزيه والقدس والتقديس، والكلام بنفسه متشابه المعاني. هـ. يعني : إنما كان القرآن
٢٥٦
متشابهاً ؛ لأنه أخبر عن كلية الذات والصفات القديمين، والذات لها شبه بالصفات من حيث اللطافة، والصفات تشبه بعضها بعضاً في الدلالة على التنزيه والكمال، أي : كتاباً دالاًّ على كلية الذات المشابهة للصفات. وهذا حملٌ بعيد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٥
قلت :﴿وقيل﴾ : عطف على " يتقي "، أو : حال من ضمير " يتقي "، بإضمار " قد ".
يقول الحق جلّ جلاله :﴿أفمَنْ يتقي بوجهِهِ﴾ الذي هو أشرف أعضائه ﴿سوء العذاب﴾ أي : العذاب السيىء الشديد ﴿يومَ القيامة﴾ كمَن ليس كذلك، بل هو آمن، لا يعتريه مكروه، ولا يحتاج إلى اتقاء، بوجه من الوجوه، وإنما كان يتقي النارَ بوجهه ؛ لكون يده التي كان يتقي بها المكاره والمخاوف مغلولة إلى عنقه. قال القشيري : قيل : إن الكافر يُلقى في النار، فيلقاها أولاً بوجهه ؛ لأنه يُرمَى فيها منكوساً ؛ فأما المؤمن المُوقَّى ذلك ؛ فهو المُلقَّى بالكرامة، فوجهُهُ ضاحكٌ مُسْتَبْشرٌ. هـ.


الصفحة التالية
Icon