ثم ذكر الفاصل بين أهل العذاب المقيم، والنعيم الدائم، فقال :﴿إِنا أنزلنا عليك الكتابَ للناسِ﴾ أي : لأجلهم، فمَن أعرض عنه فقد استحقَّ العذاب الأليم، ومَن تمسّك به استوجب النعيم المقيم، حال كونه ملتبساً ﴿بالحق﴾ ناطقاً به، أو : أنزلناه مُحِقين في إنزاله. ﴿فمَن اهتدى فلنفسه﴾، إنما ينفع به نفسه ﴿ومَن ضلَّ﴾ : بأن أعرض عنه، أو عن العمل به. ﴿فإِنما يَضِلُّ عليها﴾ ؛ لأن وبال إضلاله مقصور عليها. ﴿وما أنت عليهم بوكيلٍ﴾ حتى تجبرهم على الهدى، وما وظيفتك إلا التبليغ، وقد بلغت أيّ بلاغ.
الإشارة : مَن ذَكَّر قوماً فأعرضوا عنه، ولم يرفعوا له رأساً، يقول لهم : يا قوم اعملوا على مكانتكم... الخ، وأيّ عذاب أشد من الحجاب، والبُعد عن حضرة الحبيب ؟
٢٦٤
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿الله يتوفّى الأنفُسَ﴾ أي : الأرواح ﴿حين موتِها﴾ فيقبضها إليه قبضاً، ﴿و﴾ يتوفى الأنفس ﴿التي لم تمت في منامها﴾ فيقبضها ويترك شعاعها في البدن، فالتي قضى عليها الموت يتوفاها ظاهراً وباطناً، والتي لم يقضِ موتها يتوفاها ظاهراً فقط عند النوم، ﴿فيُمسك التي قَضَى عليها الموتَ﴾، لا يردها إلى البدن، ﴿ويُرْسِلُ الأخرى﴾ أي : النائمة إلى بدنها عند التيقُّظ ﴿إِلى أجلٍ مُسمًّى﴾ : هو الوقت المضروب لموتها، فشبَّه النائمين بالموتى، حيث لا يميزون ولا يتصرفون، كما أن الموتى كذلك.
قال الإمام : النفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق روحاني، إذا تعلّق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء، وهي الحياة، ثم إنه في وقت النوم ينقطع تعلُّقه عن ظهر البدن، دون باطنه، وفي وقت الموت ينقطع تعلقه عن ظاهر البدن وباطنه، فالموت والنوم من جنس واحد بهذا الاعتبار، لكن الموت انقطاع كامل، والنوم انقطاع ناقص، فظهر أن القادر الحكيم دبَّر تعلُّق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة أوجه :


الصفحة التالية
Icon