﴿وترى الملائكةَ﴾ حال كونهم ﴿حافِّينَ من حول العرشِ﴾ أي : محدقين به. و " من " لابتداء الغاية، أي : ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله، أو : زائدة، ﴿يُسبِّحون بحمدِ ربهم﴾ أي : يقولون سبحان الله، والحمد لله، سُبوح قُدوس، رب الملائكة والروح. أو : ينزهونه تعالى عما لا يليق به، ملتبسين بحمده. والمعنى : ذاكرين الله تعالى بوصفي جلاله وإكرامه، تلذُّذاً، وفيه إشعار بأن أقصى درجات العليين في لذائذهم هو الاستغراق في شهوده عزّ وجل.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٤
وقيل الحمدُ لله رب العالمين﴾
يقوله أهل الجنة شكراً لله حين دخلوها، وتمّ وعد الله لهم :﴿الحمد لله رب العالمين﴾ كما قال :﴿وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس : ١٠].
الإشارة : وسيق الذين اتقوا ربهم حق تقاته إلى جنة المعارف، زُمراً، متفاوتين في السير، على قدر تفاوتهم في القريحة، والاعتناء، والتفرُّغ من الشواغل والعلائق. حتى إذا جاؤوها وفُتحت أبوابها، بذهاب حجاب الكائنات، حتى بقي المكوّن وحده، كما كان وحده، وجدوا من الأسرار والأنوار ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تحيط به الإشارة. وقال لهم خزنتها، وهم شيوخ التربية، العارفون الله : سلام عليكم طِبتم، أي : تقدّستم من العيوب والأكدار، فادخلوها خالدين ؛ لأن مَن وصل لا يرجع أبداً، وما رجع مَن رجع إلا من الطريق. وقالوا : الحمد لله الذي صدقنا وعده، بأن أنجز لنا ما وعدنا من الوصول، على ألسنة المشايخ. قال في الحِكَم :" سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه ".
وأورَثَنا أرضَ الوجود بأسره، نتبوأ من جنة المعارف، في أقطار الوجود، بفكرتنا وهمتنا، حيث نشاء، فنِعم أجر العاملين. وترى الملائكة حافين من حول العرش، أي : قلب العارف ؛ لأن بيت الرب، ومحل قرار نوره، فيحفُّونه بالحفظ والرعاية من دخول الأغيار، ويُنزهون الله عن الحلول والاستقرار. وقُضي بينهم بالحق، فعزلت الشياطين عن قلوب الذاكرين، وتسلّطت على قلوب الغافلين، والحمد لله رب العالمين، حيث لم يظلم أحداً من العالمين.
٢٨٥
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٤


الصفحة التالية
Icon