الإنكار، فلمّا رأوا الأمر عياناً، اعترفوا. ووجه مطابقة قوله :﴿قالوا ربنا...﴾ الخ لما قبله : الإقرار بما كانوا منكرين له من البعث، الذي أوجب لهم المقت والعذاب ؛ طمعاً في الإرضاء له بذلك ؛ ليتخلصوا من العذاب، ولذلك قالوا :﴿فاعترفنا بذنوبنا﴾، لمّا رأوا الإماتة والإحياء قد تكرّر عليهم، عَلِموا أن الله قادر على الإعادة، كما هو قادر على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما يتبعه من جرائمهم. ومقصدهم بهذا الإقرار : التوسل بذلك إلى ما علَّقوا به أطماعهم الفارغة من الرجوع إلى الدينا، كما صرّحوا به في قولهم :﴿فهل إلى خُروج﴾ أي : نوع من الخروج، سريع أو بطيء، ﴿من سبيلٍ﴾ أو : لا سبيل إليه قط. وهذا كلامُ مَن غلب عليه اليأس، وإنما يقولون ذلك تحيُّراً، مع نوع استبعاد واستشعار يأس منه، ولذلك أُجيبوا بقوله :
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
ذلِكُم﴾ أي : ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب، وألاَّ سبيل إلى الخروج، ﴿بأنه﴾ أي : بسبب أن الشأن ﴿إِذا دُعِيَ الله﴾ في الدنيا، أي : عُبد ﴿وَحْدَه﴾ منفرداً ﴿كفرتم﴾ بتوحيده، ﴿وإِن يُشْرَكْ به تؤمنوا﴾ بالإشراك وتُسارعوا فيه، أي : كنتم في الدنيا تكفرون بالإيمان، وتُسارعون إلى الشرك. قيل : والتعبير بالاستقبال، إشارة إِلى أنهم لو رُدوا لعادوا، وحيث كان حالكم كذلك، ﴿فالحُكم لله﴾ الذي لا يحكم إلا بالحق، ولا يقضي إلا بما تقتضيه حكمته، ﴿العَلِيّ﴾ شأنه، فلا يُردّ قضاؤه، أو : فالحكم بعذابكم وتخليدكم في النار لله ؛ لا لتلك الأصنام التي عبدتموها معه، ﴿الكبير﴾ : العظيم سلطانه، فلا يُحدّ جزاؤه. وقيل : إنَّ الحرورية أَخذوا قولهم : لا حكم إلا لله، من هذه الآية. قال عليّ رضي الله عنه لَمَّا سمع مقالتهم : كلمة حق أُريد بها باطل. هـ.