﴿فوقاه اللهُ سيئاتِ ما مكروا﴾ ؛ شدائد مكرهم، وما هَمُّوا به من إلحاق أنواع العذاب لِمَن خالفه، وقيل : إنه خرج من عندهم هارباً إلى جبل، فبعث قريباً من ألفٍ في طلبه، فمنهم مَن أكلته السباع، ومَنْ رجع منهم صَلَبه فرعونُ. وقيل : لَمَّا وصلوا إليه ليأخذوه، وجدوه يُصلّي، والوحوش حوله، فرجعوا رُعباً، فقتلهم. وقال مقاتل : لمّا قال المؤمن هذه الكلمات، قصدوا قتله، فوقاه الله من مكرهم، أي : بعد تفويض أمره إلى الله، فقيل : إنه نجا مع موسى في البحر. هـ. ﴿وحاقَ﴾ ؛ نزل ﴿بآلِ فرعونَ﴾ أي : بفرعون وقومه. وعدم التصريح به، للاستغناء بذكرهم عن ذكره، ضرورة أنه أولى منهم بذلك، و ﴿سوءُ العذاب﴾ ؛ الغرق والقتل والنار.
وقوله تعالى :﴿النارُ يُعرضون عليها غُدوّاً وعَشِيّاً﴾ : جملة مستأنفة، مسوقة لبيان سوء العذاب، والنار : خبر عن محذوف، كأن قائلاً قال : ما سوء العذاب ؟ فقيل : هو النار، أو : بدل من " سوء "، و " النار " : مبتدأ، و " يُعرضون " : خبر، وعَرْضهم عليها : إحراقهم، يقال : عرض الإِمَام الأسارى على السيف : إذا قتلهم به. وذلك لأرواحهم، كما روى ابنُ مسعود : أن أرواحهم في أجواف طير سُود، تُعرض على النار ـ أي : تحرق بها ـ بكرة وعشياً، إلى يوم القيامة، وتخصيص الوقتين إما لأنهم يُعذّبون في غيرهما بجنسٍ آخر، أو : يخفف عنهم، أو : يكون غدوّاً وعشياً عبارة عن الدوام.
هذا في الدنيا في عالم البرزخ، ﴿ويومَ تقومُ الساعةُ﴾ يُقال للخزنة :﴿أَدْخِلوا آلَ فرعونَ﴾، من الإدخال الرباعي، ومَن قرأ : ادخُلوا، ثلاثيّاً، فعلى حذف النداء، أي : ادخلوا يا آل فرعون ﴿أشدَّ العذابِ﴾ أي : عذاب جهنم، فإنه أشدّ مما كانوا فيه. أو : أشد عذاب النار ؛ فإنّ عذابها ألوان، بعضه أشد من بعض، وهذه الآية دليل على عذاب القبر في البرزخ، وهو ثابت في الأحاديث الصحاح.
الإشارة : النجاة التي دعاهم إليها : هي الزهد في الدنيا، وفي التمتُّع بها مع الاشتغال
٣١١


الصفحة التالية
Icon