﴿وما يستوي الأعمى والبصيرُ﴾ أي : الغافل والمستبصر، ﴿ولا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيءُ﴾ ؛ ولا يستوي المحسن والمسيء، فلا بد أن تكون لهم حال أخرى، يظهر فيها ما بين الفريقين من التفاوت، وهي فيما بعد البعث، فيرتفع المستبصر المحسن في أعلى عليين، ويسقط الغافل المسيء في أسفل سافلين. وزيادة " لا " في المسيء ؛ لتأكيد النفي ؛ لطول الكلام بالصلة. ﴿قليلاً ما يتذكرون﴾ أي : تذكراً قليلاً يتذكرون. وقرىء بالغيبة، والخطاب، على الالتفات. ﴿إِنَّ الساعة لآتيةٌ لا ريبَ فيها﴾ ؛ لا شك في مجيئها ؛ لوضوح دلائلها، وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها، ﴿ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يؤمنون﴾ ؛ لا يُصدقون بوقوعها ؛ لقصور نظرهم على ظواهر ما يحسُّون.
الإشارة : التفكُّر في العوالم العلوية والسُفلية، يُوجب في القلب عظمة الحق جلّ جلاله، وباهر قدرته وحكمته، وإتيان البعث لا محالة ؛ لنفوذ القدرة في الجميع. وكونُ خلق السموات والأرض أكبر من خلق الإنسان، إنما هو باعتبار الجرم الحسي، وأما باعتبار المعنى ؛ فالإنسان أعظم ؛ لاشتماله على العوالم كلها، كما قال في المباحث :
اعْقِلْ فأَنْتَ نُسخةُ الوُجُود
ِلله ما أعلاكَ مِن مَوجُود>> أَليس فِيكَ العرْشُ والكرسِيُّ
والعَالَمُ العلويُّ والسُّفليُّ ؟
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وقال ربُّكُم ادعوني﴾ أي : اعبدوني ﴿أَستجبْ لكم﴾ أي : أثبكم، ويدل على هذا قوله :﴿إِن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين﴾ ؛ صاغرين أذلاء، أو : اسألوني أعطكم، على ما أريد، في الوقت الذي أريد. قال
٣١٧
القشيري : والحكمة في أنه أمر بالسؤال قبل الإجابة، وبالاستغفار قبل المغفرة، أنه حكم في اللوح أن يعطيك ذلك الشيء الذي تسأله وإن لم تسأل، ولكن أمر بالسؤال، حتى إذا وجدته تظن أنك وجدته بدعائك، فتفرح به.


الصفحة التالية
Icon