هو الذي يُحيي ويُميتُ} دفعاً لما قد يُتوهم ـ من كونه لم يذكر الفاعل في قوله ﴿ومنكم مَن يُتوفى من قبل﴾ ـ أن ذلك من فساد مزاجه، أو قتل غيره قبل أجله، فرفع ذلك الإبهام بقوله :﴿هو الذي يُحيي ويُميت﴾ لا غيره، أي : يحيي الأموات، ويميت الأحياء، أو : يفعل الإحياء والإماتة، ﴿فإِذا قَضَى أمراً﴾ أي : أراد أمراً من الأمور، ﴿فإِنما يقولُ له كن فيكون﴾ من غير توقُّف على شيء من الأشياء أصلاً، وهو تمثيل لتأثير قدرته تعالى في الأشياء عند تعلُّق إرادته بها، وتصوير سرعة ترتُّب المكونات على تكوينه، من غير أن يكون هناك أمر ولا مأمور. الإشارة : إذا دخل المريد مقامَ التجريد، طالباً لأسرار التوحيد والتفريد، وطلبه العامة بالرجوع للأسباب قبل التمكين، يقول :﴿إِني نُهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله...﴾ الآية. والبينات التي جاءته من ربه، هو اليقين الكبير بأن الله يرزق أهلَ التقوى بغير أسباب، لقوله تعالى :﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق : ٢ - ٣] وفي هذا المعنى قال الغزالي رضي الله عنه :
تَرَكْتُ لِلنَّاسِ دِينَهُم ودُنْيَاهُم
شُغْلاً بِذِكْرِكَ يَا دِيني وَدُنْيَاي
قال القشيري : قل يا محمد : إِني نُهيت وأُمرتُ بالتبرِّي مما عبَدتم، والإعراضِ عما به اشتغلتم، والاستسلام للذي خَلَقني، وبالنبوة خصّني. هـ. وكما تتربى النطفة الإنسانية في الرحم، تتربى نطفة الإرادة ـ وهي المعرفة العيانية ـ في القلب، فإذا عقد المريد نكاح الصُحبة مع الشيخ، قذف في قلبه نطفة الإرادة، فما زال يربيها له حتى يخرج عن حس دائرة الأكوان، فهي ولادته طفلاً، ثم لا يزال يحاذيه بهمته حتى يبلغ أشده، وهو كماله، ثم يكون شيخاً مريباً ؛ إن أَذِنَ له. والله تعالى أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢١