يقول الحق جلّ جلاله :﴿ما جعل اللهُ لرجلِ من قلبين في جوفه﴾ ؛ فيؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر، أو : يتقي بأحدهما ويعصي بالآخر، أو : يُقبل على الله بأحدهما ويُقبل على الدنيا بالآخر، بل ما للعبد إلا قلب واحد، إن أقبل به على الله ؛ أدبر عمن سواه، وإن أقبل به على الدنيا، أدبر عن الله. قيل : الآية مثل المنافقين، أي : إنه لا يجتمع الكفر والإيمان، وقيل : لا تستقر التقوى ونقض العهد في قلب واحد. وقال ابن عطية : يظهر من الآية، بجملتها، أنها نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك القوت، وإعلام بحقيقة الأمر فيها، فمنها : أن العرب كانت تقول : الإنسان له قلب يأمره وقلب ينهاه، وكان تَضَادُّ الخواطر يحملها على ذلك.. الخ كلامه.
قال النسفي : والمعنى : أنه تعالى لم يجعل للإنسان قلبين ؛ لأنه لا يخلو : إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب، فأحدهما فَضْلَةٌ، غير مُحْتاَج إليه، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذلك، فيؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً، عالماً ظانّاً، موقناً شاكّاً في حالة واحدة. هـ.
وكانت العرب تعتقد أيضاً أن المرأة المظاهَرَ منها : أُمًّا، فردّ ذلك بقوله :﴿وما جعل أزواجَكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتِكم﴾ أي : ما جمع الزوجية والأمومة في امرأة واحدة ؛ لتضاد أحكامهما ؛ لأن الأم مخدومة، والمرأة خادمة.
وكانت تعتقد أن الدّعي ابن، فردّ عليهم بقوله :﴿وما جعل أدعياكم أبناءكم﴾ أي : لم يجعل المُتَبَنَّى من أولاد الناس ابناً لمَن تبناه ؛ لأن البنوة أصالة في النسب، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية، لا غير، ولا يجتمع في شيء واحد أن يكون أصيلاً وغير أصيل.


الصفحة التالية
Icon